بقلم دكتور / حسن صابر
فضلت أن أتمهل قبل أن أكتب عن الإعتداء الذي وقع على مصافي البترول في السعودية إنتظاراً لتداعي الأحداث وردود الأفعال ، وقد كان واضحاً لكل المتابعين ذلك الهدوء في رد فعل السعودية وفي تصريحات الولايات المتحدة الأمريكية خاصةً تصريحات رئيسها دونالد ترامب ومساعديه ، فهل هو الهدوء الذي يسبق العاصفة ؟ صادرات المملكة من النفط تعطلت بعد الهجمات على منشأتين لشركة أرامكو ، إحداهما أكبر معمل لتكرير النفط في العالم مما أوقف إنتاج خمسة ملايين برميل من النفط يومياً ، أي قرابة نصف الإنتاج الحالي للمملكة
علينا أن نفكر بطريقة منطقية دون أن نهلل لردٍ عسكري غير محسوب العواقب ، وفي نفس الوقت دون أن نستسلم بطريقة مهينة لإعتداء خطير وقع على المملكة وقابل للتكرار .. لذلك فإن العناصر الآتية هامة جداً لتحديد مسار الأحداث في الأيام القليلة القادمة :
1- السعودية وحدها لا تملك القدرة على تحمل تبعات حرب مع إيران ، لذلك فإنها لن تخاطر ببدء أية عملية عسكرية ضدها حتى ولو كانت ضربة محدودة .
2- وبالتأكيد فإن قرار الرئيس الأمريكي هو العامل الحاسم فيما سيحدث في الأيام القليلة القادمة ، لكن علينا في تقديري الشخصي ألا نتوقع الكثير من أمريكا ، فالرئيس ترامب أعلنها صراحة أنه لا يريد حرباً مع إيران ، ولعلكم تذكرون أنني في كل مقالاتي التي كتبتها عنه منذ حملته الإنتخابية قلت عنه أنه رجل إقتصاد ، وليس رجل سياسة أو حرب . . يبيع الأسلحة لدول الخليج ، ويبيع لليابان وكوريا الجنوبية منظومة الدفاع الجوي . . لكنه لا يريد حرباً مع إيران أو مع كوريا الشمالية ، ويطالب هذه الدول المستوردة للسلاح الأمريكي أن تدفع ثمن حماية أمريكا لها بالإضافة إلى ثمن السلاح ؛ بل إنه طالب حلفاءه في دول حلف الناتو بدفع ثمن حماية أمريكا لهم . . ومنذ أن تسلم مقاليد الحكم في أمريكا لم يوجه ضربة عسكرية واحدة سوى مرة واحدة وجهها لبعض المطارات في سوريا يُعْتَقَد أن بها مخازن أسلحة كيماوية بسبب إدعاءات أن بشار الأسد إستخدم هذه الأسلحة الكيماوية لضرب معارضيه ، لكن الضربة الجوية لم تتم إلا بعد تحذير روسيا قبل الضربة وإعلامها بالموعد ، وبالمواقع التي سيتم ضربها ، حتى لا يقع ضحايا روس وتتأزم العلاقات مع روسيا ، وبالطبع فقد تسربت هذه التحذيرات أيضاً إلى الجانب السوري ، فكانت هذه الضربة التي إستغرقت 45 دقيقة بمثابة تدريب عملي بالذخيرة الحية على مطار أو قاعدة جوية ، خرج بعدها بعض السوريين إلى الشوارع فرحين مهللين بالنصر !!
3- ولا يمكن أن ننسى في هذا الشأن إسرائيل التي تعتبر إيران أخطر عدو يهدد أمنها القومي ، وتدفع الأمور في إتجاه شن حرب شاملة عليها . . لكنها مشغولة هذه الأيام في تبعات الإنتخابات التي إعتبرت نتائجها هزيمة لرئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو . . ومع ذلك فإن الموقف الأمريكي في النهاية يتجاوز الأمنيات الإسرائيلية ولا يتوقف عندها كثيراً .
4- وقد أعلنت بريطانيا وألمانيا ضرورة تكوين تحالف دولي جماعي ضد إيران لوقف أعمالها العدوانية في منطقة الخليج ؛ بينما فرنسا أعلنت أنها لا تملك أدلة دامغة على أن إيران هى من أطلقت الصواريخ والطائرات المسيَّرة على مصافي شركة أرامكو في السعودية ، وتدعو إلى التهدئة محاولة ترتيب لقاء بين الرئيس ترامب والرئيس الإيراني روحاني على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة .
5- روسيا تضع نفسها خارج هذه الأحداث عندما أعلن الرئيس بوتين أن روسيا لا تملك أدلة لإدانة إ يران ، وأنه لم يُطْلَب من روسيا الوساطة بين السعودية وإيران .
6- إيران تعلن أنها بريئة من قصف السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة ، وتعلن تحديها لأمريكا ، وتهددها بأن البوارج والمصالح الأمريكية تقع كلها في مرمى الصواريخ الإيرانية . . كما بدا المرشد العام الإمام علي خامنئي متشدداً في الوقوف بوجه أمريكا ، وذكر أن الرئيس روحاني لن يلتقي بالرئيس الأمريكي في الأمم المتحدة .
7- إتضح جلياً فشل منظومة الدفاع الجوي من صواريخ باتريوت الأمريكية والتي من المفروض أنها تحمي سماء المملكة العربية السعودية ، ولم تستطع التصدي لصواريخ كروز التي أطلقت على المملكة بإرتفاعات منخفضة ، ذلك في الوقت الذي تثبت فيه منظومة الصواريخ الروسية نجاحاً كبيراً وحاسماً على الجبهة السورية ، مما دفع الولايات المتحدة إلى إعلان أنها ستزيد عدد بطاريات الصواريخ في السعودية ، علماً أنه توجد حالياً ست بطاريات على الحدود الشمالية ، وطبعاً على السعودية أن تدفع ثمن البطاريات الجديدة التي سيتم تركيبها على وجه السرعة !!
8- كان من اليسير إدراك أن الرد الأمريكي على الإعتداء الإيراني لن يكون عسكرياً ، بل مجرد زيادة العقوبات الإقتصادية على إيران بحجة أن ذلك سيزيد تدهور الإقتصاد الإيراني حتى تستسلم إيران .. ولن تستسلم إيران .
9- على المملكة السعودية ودول الخليج أن يستوعبوا الموقف الأمريكي الذي لن يتغير خلال فترة حكم الرئيس دونالد ترامب ، فهذا الرجل أعلن في أكثر من مناسبة أنه سيحاول ألا يرسل أي جندي أمريكي ليقاتل خارج الحدود ، مقابل حماية الآخرين الذين لا يدفعون ثمن الحماية الأمريكية لهم ، وهاجم الرؤساء الأمريكيين الذي سبقوه ممن أرسلوا الجيش الأمريكي للحرب في أفغانستان والعراق ، فكيف يكرر ما فعلوه ويناقض نفسه . . أثناء حملته الإنتخابية للترشح لمنصب الرئيس وعد الناخبين الأمريكيين أنه لن يشارك في أي حرب إلا في حال تهديد الأمن القومي الأمريكي ، وترامب دائماً يفي بوعوده .
10- أصبح واضحاً أن حرب اليمن يجب أن تتوقف . . منذ بدأت الضربات الجوية على الحوثيين في 25 مارس عام 2015 تحت مسمى عملية عاصفة الحزم حاولت دول
” التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية ” أن تقضي على التهديد الإيراني القادم إليها من حدودها الجنوبية والمتمثل في ميليشيات الحوثيين ، لكنها لم تتمكن حتي الآن أن تحقق أهدافها بصورة تدعو إلى الإطمئنان . . لقد جربت السعودية الطريق الأمريكي فوصلت إلى حائط مسدود ، ولم تحقق أهدافها بصورة مرضية من الحرب في اليمن ، بل بدا واضحاً مدى التأثير السلبي لهذه الحرب على الأوضاع الإقتصادية في السعودية والإمارات ، ذلك فضلاً عن الإبتزاز الأمريكي لهاتين الدولتين . . ألم يأْنِ لهذا الإبتزاز الأمريكي أن ينتهي . . ولهذه الحرب أن تضع أوزارها . . ألا يكفي الشعب اليمني الفقير المعاناة التي أحدثتها هذه الحرب له ؟ أفهم أن أمريكا تستخدم إيران من أجل إبتزاز الدول الخليجية ، وترسيخ إعتماد الخليجيين عليها ؟ ألا يكفي عدد الذين قتلوا من الكبار والأطفال بسببها ؟ . . هذه الحرب ستتوقف رغماً عمن يريد إستمرارها فلماذا العناد والتعنت ؟ لماذا لا يتوقف نزيف الخسائر لكل الأطراف المشاركة فيها ؟ أنظروا إلي الدول التي وصلت إلى الرخاء الإقتصادي لشعوبها في قارتي أوروبا وآسيا بعدما تفرغت للعمل والإنتاج وعاشت في سلام مع جيرانها ، بينما نحن دولٌ كُتِبَ عليها أن تتقاتل لإستنزاف ثرواتها . . متى نفيق من غفوتنا ونستيقظ لنعيش متحضرين مسالمين ، ومنتجين مساهمين في الحضارة الإنسانية . . متى ؟ وفي هذا الصدد لعلي أشيد بموقف الإمارات العربية المتحدة التي تفتح باب الحوار والتفاهم مع إيران .
11- وعلى الحدود الشمالية من خليج عمان فإني أنصح الزعماء الإيرانيين أن يفيقوا من كبريائهم وغرورهم ، وألا يتصوروا أن أمريكا خافت من مواجهتهم عسكرياً ، فقررت الإكتفاء بتشديد العقوبات الإقتصادية عليهم . . إنه فقط تأجيل ورهان على أن العقوبات الإقتصادية والحصار سوف يحققان نفس النتائج بدون المواجهة العسكرية .. تعالوا وضعوا أياديكم في أيادينا ، ودعونا نعيش معاً في سلام . . تعالوا لنتعاون على تعويض ما فاتنا من تقدم وإزدهار لشعوبنا . . نحن العرب نخسر ، ونُبْتَزْ من قِبَل أمريكا ، وأنتم أيها الإيرانيون أيضاً تخسرون بسبب العداء مع جيرانكم ، وبسبب العقوبات الأمريكية عليكم . . فلماذا العناد والمكابرة ؟
هكذا نرى أننا نحن العرب المعنيين بالحدث لا ندخل في حسابات الموقف ، وأصبحنا من الضعف والهوان ما يجعلنا ننتظر رد الفعل من جانب الرئيس الأمريكي . . تباً لأمةٍ تركت أقدارَها في أيادي الغير . . تباً لأمة إنقسمت لألف أمة . . وهل مازالت هناك أمة تجمعنا ونعيش فيها ؟