بقلم دكتور/ حسن صابر
هناك بعض الأمور لا يملك المرء فيها أن ينظر للماضي ، وحسبه أن يتطلع لمستقبل أفضل ، ذلك لأن البكاء على الماضي والشكوى لن يصلحا ما حدث فيه ، بل وربما يشغلان عن تدبر الأمر وإستكمال الطريق . . هذا بالضبط ما أشعر به كلما تذكرت وعد بلفور المشئوم لليهود بإقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين ، والذي قدمه آرثر بلفور Arthur Balfour وزير خارجية بريطانيا آنذاك للورد روتشيلد Lord Rothschild زعيم الطائفة اليهودية ببريطانيا في مثل هذا اليوم الثاني من شهر نوفمبر عام 1917 ، وتسبب في التهجير القسري ل 60% من الشعب الفلسطيني خارج بلدهم . . الوعد الذي وصفه عميد الأدب العربي دكتور طه حسين بأنه ” وعدٌ ممن لا يملك لمن لايستحق ” .
رسالة لم تكن وليدة الصدفة ، فالمخطط البريطاني باحتلال فلسطين ، وإقامة وطن قومي لليهود كان قبل ذلك بسنوات طويلة ، ففي العام 1907 ، كان هناك مخطط بريطاني لبحث الإجراءات التي يمكن أن تقوم بها بريطانيا لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ، وقامت بريطانيا بدراسات بإنزال أول قوات بحرية بريطانية على ساحل حيفا لعمل دراسات إستطلاعية وإستخباراتية عن فلسطين . .كان ذلك قبل وعد بلفور بعشرة أعوام”.وكانت بريطانيا ترسل شبكاتٍ وفرقاً استخباراتية لفلسطين ، إحداها تم ضبطها من قبل الجيش العثماني ، وكان مقرها منطقة ( زخرون يعقوب ) في حيفا ”.
الآن وبعد مضي هذه السنوات أصبحت إسرائيل أمراً واقعاً ، وبينما تتقدم وتزداد قوة وتطوراً ، فإننا نحن العرب نزداد ضعفاً وتخلفاً ، ولا نملك سوى الهتافات الجوفاء التي لا تُشْبِعْ ولا تُغْنِ من جوع . . الواقعية تقتضي أن نتعايش مع إسرائيل في سلام ونبذل الجهد العقلاني للحصول على حق إقامة دولة فلسطينية على حدودها تشمل الضفة الغربية وغزة ، تكون عاصمتها القدس ، وتتعايش في سلام وأمان مع اسرائيل المدعومة من أقوى المنظمات المصرفية العالمية ، والتي وضعت إسرائيل على قمة دول الشرق الأوسط في النظام العالمي الجديد . . ذكرت ذلك في مقالاتي السابقة وأحاول دائماً إقناع إخواننا الفلسطينيين بهذا الأمر .
ورغم العقلانية والواقعية اللتين أتظاهر بهما ، لكني في الحقيقة قد استفزني كثيراً إصرار ” تيريزا ماي ” رئيسة وزراءبريطانيا على الإحتفال بهذا اليوم في الذكرى المئوية للوعد المشئوم . . أفهم أن إسرائيل تحتفل بهذا اليوم الذي منحها فيه المحتل البريطاني المغتصب وطناً قومياً لهم على أرض فلسطين . . لكن أن تحتفل بريطانيا بذكرى هذا اليوم فذلك أمر مستفز لنا كفلسطينيين وكعرب . . فقد كان الأعدل والأجدر أن تعتذر بريطانيا للفلسطينيين عن هذا الوعد الذي تسبب في حدوث مأساة إنسانية جديدة تضاف الى المآسي الكثيرة التي حدثت للبشر . . هذا الوعد وإن كان خيراً على اليهود ، وشراً كبيراً على الفلسطينيين ، إلا أنه كان عاراً على بريطانيا وسيظل هكذا حتى نهاية الحياة ، وبدل أن تعتذر عنه بريطانيا وتخجل مما سببه هذا الوعد من آثار مدمرة على بلد إسمه فلسطين ، فإذا بها تحتفل بمرور مائة عام على إصداره في ذلك اليوم المشئوم 2 نوفمبر عام 1917 .
لعلنا يجب أن نعترف بضعفنا وتخاذلنا وتراجع قيمتنا كأمة عربية . . أتذكر تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا وهى تجلس وسط قادة دول مجلس التعاون الخليجي العربي خلال إجتماعهم بمدينة المنامة عاصمة البحرين في 7 ديسمبر 2016 . . أي منذ 11 شهراً فقط ، كذلك أتذكر ما صرحت به آنذاك حين قالت :
– ” ما من شك أن بعض الناس في بريطانيا يرون بأنه لا يجب أن يكون لدينا علاقات تجارية قوية وأمنية مع هذه الدول الخليجية بسبب سجلاتهم في حقوق الإنسان “
– وأضافت ” نحن نستطيع تحقيق الكثير من خلال مشاركتنا هذه الدول والعمل معهم لتشجيعهم ودعمهم للتخطيط للإصلاحات في بلادهم “
– وأردفت ” هكذا تصبح بريطانيا قوة خير في العالم وكذلك تساعد مواطنيها على البقاء آمنين وتخلق فرصاً جديدة لأعمالهم “.
– وتقول الحكومة البريطانية ” إن هناك فرصاً تقدر قيمتها بـ 30 مليار جنيه إسترليني للشركات البريطانية في 15 مجالاً مختلفاً في المنطقة خلال الخمس سنوات المقبلة ” .
إذن رغم مصالح بريطانيا في منطقة الخليج العربية ، إلا أنها لا تعتقد أن إحتفالها بالذكرى المئوية لوعد بلفور يمكن أن يشكل أي تهديد لهذه المصالح ، ولنا أن نستخلص العبر ونتعلم الدروس من هذا الموقف ، وندرك إلى أي مدى وصل بنا ضعفنا وتخاذلنا . . هانت علينا انفسُنا ومقدساتُنا واعراضُنا فَهُنَّا على اعدائنا .
أليس من العار على الإنسانية أن مقدرات الشعب الفلسطيني تُرِكَتْ تحت رحمة مواطنين بريطانيين تصرفوا بهذه المقدرات بخفّة و مجون كما لو كانوا يلعبون الورق . . ألا تستيقظ ضمائرهم يوماً ما – إذا كانت لديهم ضمائر – ليدركوا أي ظلمٍ تسببوا فيه للفلسطينيين ، بل ويحتفلون به بمناسبة مرور مائة عام عليه . . هل هذا هو الشعب البريطاني الذي تظاهر أمامنا طوال هذه السنين بالأخلاقيات الرفيعة والرقي والتحضر ، ويحاسبنا على سجلاتنا في عدم إحترام حقوق الإنسان . . يا لسخرية القدر . . لكن يبقى السؤال ممن يسخر القدر ؟ أمن ضعفنا وتخاذلنا أم من عدم إحترام البريطانيين للأخلاقيات والمبادئ السامية الرفيعة التي ينادون بها ؟
النسخة الأصلية والترجمة العربية لخطاب آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا عام 1917 الى اللورد روتشيلد زعيم الطائفة اليهودية في بريطانيا
وعد بلفور.. الرسالة التي غيّرت مجرى تاريخ الشرق الأوسط
مئة وعشر كلمات، خطها آرثر جيمس بلفور، وزير خارجية بريطانيا العام 1917، كانت كفيلة بأن تحدد معالم حقبة جديدة في الشرق الأوسط ، تَهَبُ فيها لندن أرضاً لا تملكها، يقطنها شعب أعزل، لشعب مبعثر في أرجاء الأرض بلا وطن .
ففي الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني، العام 1917، بعث بلفور رسالة إلى اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة ، لتُعرف فيما بعد باسم “وعد بلفور”.
وتعد تلك الرسالة أول خطوة يتخذها الغرب ، لإقامة كيان لليهود على تراب فلسطين ، وقد قطعت فيها الحكومة البريطانية تعهداً بإقامة دولة لليهود فيها . . وجاء نص الرسالة كالتالي :
Here’s the text in full:
Foreign Office
November 2nd, 1917
Dear Lord Rothschild,
I have much pleasure in conveying to you. on behalf of His Majesty’s Government, the following declaration of sympathy with Jewish Zionist aspirations which has been submitted to, and approved by, the Cabinet
His Majesty’s Government view with favour the establishment in Palestine of a national home for the Jewish people, and will use their best endeavors to facilitate the achievement of this object, it being clearly understood that nothing shall be done which may prejudice the civil and religious rights of existing non-Jewish communities in Palestine or the rights and political status enjoyed by Jews in any other country.
I should be grateful if you would bring this declaration to the knowledge of the Zionist Federation.
Yours,
Arthur James Balfour
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته ، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية ، وقد عرض على الوزارة وأقرته :
“إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، وستبذل عظيم جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية ، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى”.
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.
المخلص
آرثر بلفور