الجمعة, 5 يوليو, 2024 , 11:36 م

د.حسن صابر يكتب اخطر تحليلاته عن قطر وقطع العلاقات وامريكا :ليست كل الغيوم تحمل أمطاراً

 

كم من مرة في تاريخنا هزمتنا الخيانة دون قتال . . ما حدث ولايزال يحدث من قطر هو الخيانة في أخبث صورها . . عندما تدعم قطر المنظمات الإرهابية وتنفق عليها أموالها وأموال شعبها لتقتل بها وتفجر وتدمر فهذه خيانة للإنسانية . . وعندما تنشق عن إخوانها وتتخذ لنفسها مسلكاً مخالفاً لمسلكهم وضاراً بهم فهذه خيانة للأشقاء الخليجيين الذين تربطهم بها صلة الدم والرحم ، وعندما تستدعي قوىً مناوئةً في أهدافها لأهداف إخوانها وتستقوي بها فتلك خيانةٌ جديدة . . كنت أخشى زمناً تصبح فيه الخيانة وجهة نظر ، وها نحن الآن نعيش هذا الزمن .

تذكرون عندما كتبت في مقال لي منذ أسبوع وقبل أن تعلن السعودية والامارات والبحرين ومصر عن قطع العلاقات الديبلوماسية مع قطر . . قلت من يريد معاقبة قطر فعليه أولاً معاقبة أمريكا . . وبالطبع فلم أكن أقصد أن نعاقب نحن أمريكا ، فنحن أقل من معاقبتها ، لكن ما قصدته أن قطر لا تملك قرارها ، وأن الأوامر تصدر إليها بطريقة أو بأخرى من قوى أكبر منها لإنتهاج ذلك المسلك . . وغالباً هى أمريكا أو على نحو أدق هى القوى العميقة الخفية التي تحكم أمريكا والعالم . . ولعل ذلك الفهم ربما يفسر لنا تلك الصورة المريبة التي ظهر عليها الموقف الأمريكي الذي أراد إرضاء كل الأطراف ، فبينما يتحسس وزير خارجية أمريكا الموقف القطري بيد ناعمة وكلمات رقيقة ، وجدنا الرئيس الأمريكي يدين قطر بوضوح ويتهمها بعلاقات عميقة مع منظمات إرهابية منذ وقت طويل . . وكما قلت سابقاً فإن الإتهامات بدون دليل تصبح مجرد شكوك ليس أكثر ، وأمريكا بكل ما تملك من أدوات إستخباراتية ، تملك أدلة تدين قطر ، لكنها لن تظهر هذه الأدلة لأنها وهى القوة الأكبر في العالم لا تريد أن تتورط في هذه الخلافات بين الأشقاء الصغار ( على طريقة يعملوها الصغار ويقع فيها الكبار ) ، ثم لماذا تدين قطر وهى الدويلة الصغيرة التي تحتضن أهم قاعدة عسكرية في منطقة الخليج وهى قاعدة العيديد الجوية ، وتنفذ كل ما تؤمر به سمعاً وطاعةً بما في ذلك توثيق العلاقات مع إيران وإسرائيل ، وإحتضان المنظمات الإرهابية وتوفير الملاذ الآمن والدعم المالي والعسكري لأعضائها ومجرميها ، وربما تدرك الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر أن حجم توقعاتهم من الموقف الأمريكي والأوروبي لم يحسب جيداً وكان أكبر من الحجم الحقيقي ، وأخشى أن تدرك هذه الدول متأخراً أن مؤتمر الرياض لم يكن لمحاربة الإرهاب كما تم الترويج له ، بل كان خدعةً أمريكيةً لجباية أموال السعودية ودول الخليج .

ودعوني أقارن بين موقف أمريكا تجاه إيران ، وموقفها من دول الخليج . . لعلكم تذكرون أن الرئيس ترامب خلال حملته الإنتخابية وحتى في أيامه الأولى بعد أن تولى الحكم فقد رفع شعار إلغاء الإتفاق النووي مع إيران . . والخروج من إتفاقية المناخ ، وإتفاقية الشراكة عبر المحيط الأطلسي مع بريطانيا وكندا والمكسيك . . لكن هل حدث ؟ نعم أخرج أمريكا بعد توليه مهام الرئاسة من إتفاقيتي المناخ والشراكة عبر الأطلسي . . لكن هل ألغى الاتفاقية النووية مع إيران ؟ لا . . لم يحدث شيئاً حتى الآن ، ولازالت الإتفاقية سارية المفعول ، بل لم تجمد أيضاً . . حتى إسرائيل التي هللت لترامب عندما أعلن أنه سيلغي هذه الإتفاقية ، أصبحت صامتةً الآن صمتاً مريباً رغم أن ترامب لم يلغ الإتفاقية النووية مع إيران ولم يجمدها ، ولم يحصل على أي شئ من إيران بينما حصل على مئات المليارات من أموال الخليج . . وللأسف يمكنني القول أننا لا يجب أن نراهن كثيراً على الموقف الأمريكي والأوروبي في تعديل وتصحيح ممارسات النظام القطري أو تغيير هذا النظام .

إن دعم قطر أو أية دولة أخرى للمنظمات الإرهابية يهدد السلم العالمي ، ويخل به في كثير من دول العالم ، ويؤدي إلى وقوع عدوان على مواطني هذه الدول ، وفي هذه الحالات تنطبق عليها المادتان
41 ، 42 من الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة :

الفصل السابع : فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان

المادة 41
لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته ، وله أن يطلب إلى أعضاء “الأمم المتحدة” تطبيق هذه التدابير ، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية .

المادة 42
إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به ، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه . ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء “الأمم المتحدة” .

ولهذا فإني أطالب الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر أن تقدم ما لديها من أدلة على التورط القطري في دعم الإرهاب للمحاكم الدولية ولمجلس الأمن ، وتطالب بتطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة عليها . . وبدون ذلك الإجراء فإني أرى موقف الدول المقاطعة لقطر ضعيف ولن يجدي في تصحيح مسار قطر حتى أن رجب طيب أردوغان رئيس تركيا سمح لنفسه حين إلتقى أمس وزير خارجية البحرين أن يفرض إطاراً زمنياً لحل مشكلة الخلافات مع قطر وقال أن هذه الخلافات ستنتهي قبل نهاية شهر رمضان وكأنه أصبح وصياً على الخليج . . كما أطالب الرئيس السيسي أن يكون مستعداً بالأدلة التي تدين قطر عندما يلتقي الزعيمة الألمانية ميركل في رحلته إلى ألمانيا والتي ستبدأ اليوم ، ولا يكفي أن يقول لهم أنني حذرتكم قبل أن يصل الإرهاب إلى بلادكم ، وأن مصر تحارب الإرهاب بالنيابة عن العالم كما إعتاد أن يقول ذلك في مناسبات عديدة سابقة .

ربما تكون قطر قد إهتزت قليلاً بمجرد قطع العلاقات الدبلوماسية معها وإغلاق شبكة قنوات الجزيرة في البلدان التي قطعت معها العلاقات ، وإغلاق الطرق الجوية والبحرية والجوية بينها وبين تلك الدول ، إلا أنها مالبثت أن تماسكت وأعلنت التحدي وبالطبع فقد كان ضعف الموقف الأمريكي والروسي والأوروبي وميوعته أكبر محفز للتحدي القطري وزيادته بمرور الساعات والأيام .

تحاول قطر أن تبدو كالحمل الوديع الذي تفتري عليه الدول المجاورة له ، ولكنها مع ذلك لن تقطع إمدادات الغاز القطري من مشروع دولفين إلى أبوظبي رغم أن آلتها الإعلامية تعلن أن قطر يمكنها إظلام نصف أبوظبي لو قطعت عنها الغاز القطري . . كذلك لم تتعرض للجالية المصرية الكبيرة والتي تبلغ حوالي 200 ألف مصري يعيشون ويعملون في قطر ، وقد أعلن وزير خارجيتها أن قطر لن تلجأ سوى للأسلوب الدبلوماسي في هذه الخلافات ، كما أعلن أن قطر ترفض إملاء سياسات عليها من أحد ، أو فرض وصاية عليها ، وأنها لن تغير سياستها ، وأعتقد أن قطر بالفعل قادرة على ذلك مالم يتغير الموقف الأمريكي ليصبح أكثر وضوحاً وصرامة في مواجهة دعم قطر للإرهاب وعلاقاتها مع المنظمات الإرهابية .

وللأسف الشديد أقولها وبمنتهى الصراحة أننا نعيش تناقضات غريبة في مواقفنا العربية ، وكعادتنا طوال تاريخنا لم نتوحد في تحديد من هو الصديق الحليف لنا ومن هو العدو ، وقد وصلت بنا هذه التناقضات إلى الوضع الذي نعيشه الآن . . هذه التناقضات كثيرة وعميقة وهى على سبيل المثال لا الحصر :

1- بعضنا يقيم علاقات قوية مع إيران ، ويعلن ليل نهار عداءه لإسرائيل .

2- البعض الآخر يقيم علاقات وثيقة علنية أو خفية مع إسرائيل ويعلن أن إيران هى العدو بسبب مطامعها في نشر نفوذها على أراضينا العربية .

3- لكن هناك من يتاجر أمام شعوبنا بالعداء السافر لكلتا القوتين اللتين ربما تكونان نوويتين إسرائيل وإيران ، وذلك قمة الغباء السياسي وعدم إدراك للمتغيرات الدولية وإستعذاب لأن نعيش في غيبوبة الماضي . . وشخصياً أعتقد أن المنطقة العربية مقبلة على عصر جديد من التحالفات التي كانت محرمة في الماضي كالتحالفات بين إسرائيل والدول العربية ، وأنصحكم بأن تعدوا عقولكم لتقبل هذه التحالفات وألا تكون صدمةً لكم ، فالعالم يتغير من حولنا ، وحان وقت خروجنا من ذلك الجمود الذي نعيش فيه ونتقبل هذه المتغيرات .

4- وهناك من يعترض بصوت عال يصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية على إحتضان قطر لمنظمات إرهابية وتوفير المأوى والدعم المالي لها ، بينما لا يعترض بكلمة واحدة على إحتضان تركيا لنفس المنظمات الإرهابية وتوفير المأوى لأعضائها ، بل وشراء البترول الذي سرقته منظمات إرهابية من حقول النفط العراقي .

5- بعضنا يشارك في محاربة نظام بشار الأسد بإعتباره عدو لنا لأنه حليف لإيران صاحبة الميول التوسعية على حسابنا .

6- بينما البعض الآخر لا يرى الحكمة في التدخل ضد نظام بشار الأسد ، لأن ذلك يعني أننا سنكون في جانب واحد مع تنظيم الدولة الإسلامي ISIS ، ومع تنظيم النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي تحارب كمرتزقة لتنفيذ أجندات أمريكية وإسرائيلية في المنطقة .

 

هذه أمثلة على التناقضات العربية الكثيرة التي تعكس حالة الوهن الذي نعيشه ، فهل نحن نعيش في حالة إنحدار تاريخي أم أن هذا هو حالنا منذ زمن بعيد . . هُنَّا على أنفسنا فإستهان العالم بنا . . لا توجد بقعة أخرى على كوكب الأرض تعرضت لمصائب متتالية كالتي نتعرض لها في بلادنا عبر عصور التاريخ . . مصائب دمرتنا وكلفتنا الكثير من الأرواح والأموال . . إنظروا فقط إلى مصائب العصر الحديث . . مصائب خريف الغضب الذي دمر عدة دول عربية . . خريف الغضب الذي كان أحد حلقات سلسلة التآمر الأمريكية لتدمير بلادنا . . حرب سورية المشتعلة منذ عدة سنوات ، سورية الجميلة الحبيبة التي تحولت إلى أطلال تنعي شعبها الذي عبر البحر مهاجراً منها إلى حيث يجد الأمان ، وقبلها العراق قلعة الأسود ونبع من منابع الحضارة . . دمرت وقتل أكثر من مليونين من أهلها وهاجر شعبها لتسكن الغربان في أطلالها . . فلسطين الحبيبة التي إنتزعت من أهلها لتكون دولة لمن تبقى من اليهود بعد محارق النازية وغرف الغاز ، وكأننا نحن من عذب وإضهد وقتل اليهود ، ولابد أن ندفع الثمن . . ضعفنا وتخلفنا هو ما أغرى قوى الشر أن تختارنا من دون شعوب العالم لتصدر شرها لنا عبر عصور التاريخ . . والآن إمارة خليجية عربية إسمها قطر تنسلخ عن أشقائها وتتحالف مع الشيطان لتنفذ سياسات الإرهاب ونشر الخراب ، ثم بعد ذلك تكذب وتدعي أنها بريئة .

يستطيع الكذب أن يدور حول الأرض في انتظار أن تلبس الحقيقة حذاءها .

اترك رد

%d