ربما كنت الوحيد الذي تنبأ بفوز دونالد ترامب على هيلاري كلينتون في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية منذ خمسة شهور وكتبت مقالاً ليلة الإنتخابات بعنوان ” هل يعيد التاريخ نفسه ويفوز ترامب ، تحدثت فيه عن إمكانية فوز دونالد ترامب كما حدث في معجزة فوز الشاب الكاوبوي بيل كلينتون حاكم ولاية صغيرة اسمها أركنصو على أهم وأخطر رئيس أمريكي في العصر الحديث هو الرئيس جورج بوش الأب الذي كان حينئذ يرشح نفسه لفترة رئاسية ثانية بعد الانجازات الهامة التي حققها لأمريكا اثناء فترة رئاسته الأولى ، بل حتى قبلها حين كان مديراً لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، ثم نائباً للرئيس رونالد ريجان ، وتوقعت فوز ترامب وشرحت المبررات التي تجعلني أعتقد بفوزه على هيلاري كلينتون ، وبالفعل فاز دونالد ترامب .
لكن هل يمكن أن تفوز ماريان لوبين على إيمانويل ماكرون المرشح الأقوى كما فاز ترامب على المرشحة الأقوى هيلاري كلينتون منذ عدة شهور . . وما يدعو لهذه المشابهة هى أن ماريان لوبين استخدمت خلال حملتها الإنتخابية عدداً من الوسائل الهامة جداً التي استخدمها ترامب للوصول الى البيت الأبيض وهذه الوسائل هى :
١- الأولى هى أنها استخدمت لغة إدانة الاصوليين المسلمين والعرب بسبب الأعمال الارهابية ضد شعبها واعلنت انها ستطرد كل هؤلاء من فرنسا تماماً كما هدد بل كما فعل ترامب في أمريكا ، كما أكدت لوبين على تقنين إستقدام المهاجرين ، وإغلاق المساجد التي تحض على التطرف .
٢- الثانية هى أنها استمالت الطبقة العمالية في فرنسا بزعم تحسين أحوالهم ، والمحافظة على مصانعهم . . هذا ما فعله ترامب بالضبط حين اعلن ان مصانع السيارات الأمريكية انتقلت من أمريكا لدول شرق أسيا بسبب وفرة الأيدي العاملة ورخصها مقارنة بأجور العمال الأميريكيين المرتفعة ، وهدد ان الشركات الاميريكية التي ترفض إعادة مصانعها الى أمريكا ستفرض رسوماً جمركية مرتفعة جداً على منتجاتها التي تصدرها لأمريكا .
٣- الثالثة هى اعلانها رفض أوروبا واليورو والعمل على خروج فرنسا من دولة الإتحاد الأوروبي ، تماماً كما اخرج ترامب امريكا من التحالفات الإقليمية مع كندا والمكسيك ، كما أن ترامب تعمد محاولة إضعاف الإتحاد الأوروبي .
٤- الرابعة هى محاولتها الظهور بأن مؤيديها من الناخبين ليسوا قلة أمام الناخبين المؤيدين لمنافسها ماكرون تماماً كما فعل ترامب برفضه الاعتراف أن مؤيدي كلينتون هم الأغلبية .
٥- الخامسة هى تأكيدها لمواقفها المؤيدة لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين الذي استقبلها في موسكو .
لكن مارين لوبين ليست ترامب ، وفرنسا ليست الولايات المتحدة الأمريكية ، كما أن طبيعة الانتخابات مختلفة في البلدين ، ولا أحد ينكر أن لوبين حولت حزبها من ظاهرة هامشية الى قوة في وسط الساحة السياسية إلا أنها تبقى بنظر خصومها حالة خطيرة قد تدخل فرنسا وأوروبا في نفق مجهول . . استطلاعات الرأي تجمع كلها على أنها ستخسر الإنتخابات .
وفرنسا ليست الولايات المتحدة في طبيعة الإنتخابات ، ففي أمريكا يمكن لمرشح رئاسي أن يفوز بالمنصب رغم أنه خسر في عدد أصوات الناخبين ، وحصل على عدد أصوات أقل من منافسه وهذا ما حدث مع الرئيس ترامب الذي حصل على عدد أصوات أقل من العدد الذي حصلت عليه منافسته هيلاري كلينتون ، كما حدث من قبل عدة مرات أذكر منهما الحالتين الآتيتين :
* في عام 1888 فاز بنجامين هاريسون بالرئاسة لأنه فاز بأصوات المجمع الإنتخابي رغم أنه خسر التصويت الشعبي أمام منافسه جروفر كليفلاند .
* في عام 2000 فاز مرشح الرئاسة جورج دبليو بوش لأنه فاز بأصوات المجمع الانتخابي ، رغم أنه خسر التصويت الشعبي أمام منافسه آل جور.
* في عام 2016 فاز مرشح الرئاسة دونالد ترامب لأنه فاز بأصوات المجمع الانتخابي ، رغم أنه خسر التصويت الشعبي أمام منافسته هيلاري كلينتون .
إذن المهم في الإنتخابات الأمريكية هو عدد أصوات المجمع الإنتخابي ( Electoral College ) التي يحصل عليها المتنافسون ، فما هو المجمع الإنتخابي . . المجمع الإنتخابي
هو تجمع لعدد من الأصوات في كل ولاية يحدد حسب تعداد السكان . . ويبلغ العدد الكلي لأصوات المجمع الإنتخابي في الولايات المتحدة 538 صوتاً يتم انتخابهم بواسطة الأحزاب السياسية ، وعند فوز أحد مرشحي الرئاسة بالتصويت الشعبي في الولاية فإنه يحصل على كل أصوات المجمع الإنتخابي في ولايته وذلك هو السبب أن المرشح قد يفوز بالرئاسة رغم أنه خسر في التصويت الشعبي .
لكن في فرنسا لا يوجد مجمع انتخابي تتوافر فيه فرصة فوز مارين لوبان حتى لو خسرت التصويت الشعبي كما حدث مع ترامب . .
وقد لعب دونالد ترامب على نغمة التدهور الإقتصادي في أمريكا والذي ترك بصماته على الناخب الأمريكي إقتصادياً وإجتماعياً وأمنياً ، بينما في فرنسا لا يوجد تدهور إقتصادي حيث أن فرنسا تعتبر القوة الخامسة على العالم من الناحية الإقتصادية ، ولهذا لا توجد مبررات أمام الناخب الفرنسي ليعمل على تغيير النظام الحاكم في فرنسا والذي يعتبر ماكرون – منافس لوبان – إمتداداً له .
وبقى أن أقول : في السياسة والإنتخابات تستخدم كل الأسلحة والوسائل القذرة . . حتى أن البابا فرنسيس الثاني بابا الفاتيكان أعرب عن إستيائه من مستوى الحوار الأخير الذي حدث مساء الأربعاء الماضي بين المرشحين للرئاسة الفرنسية إيمانويل ماكرون ومارين لوبان وقال أنهما تراشقا بالحجارة أثناء مناظرتهما ، كما قال أنه لا يتكلم ك ” بابا ” لكن كمواطن عادي صدم من سلوك المتنافسين أثناء الحوار بينهما حيث أنهما قاطعا بعضهما البعض ولم يلتزما بآداب الحوار وقدما أسوأ درس في السلوك لمن إستمعوا إليهما ، والحمد لله أن البابا لا يتابع برنامج وائل الأبراشي العاشرة مساءاً ، وإلا لكان صُدِم أيضاً من سلوكيات نواب الشعب المصري الذين يتسابقون معظم الأيام للظهور على شاشته وتسويق أنفسهم سياسياً أمام الناخبين في دوائرهم الإنتخابية ومقاطعتهم لزملائهم السادة النواب المحترمين ( كما ينادون بعضهم البعض ) بصوت عال دون أي إلتزام بآداب الحوار .