بقلم / عادل اسكندر
لابد أن نعترف أن مصر تتصدر العالم في حربها ضد الإرهاب والتطرف الديني وهذه حقيقة… إننا نعاني من هذه الظاهرة منذ أكثر من ٨٠ عاماً، بمعنى أصح وأدق منذ نشأة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وعلى مدار السنوات كانت المواجهات الأمنية والتصدي لعنف تلك الجماعات وخصوصاً بعد تأسيس جناحها الإرهابي في منتصف الخمسينات، ويمكن القول أن الدولة بكافة أجهزتها تصدت لهم ولأفكارهم الهدامة والمتطرفة.. نحن الآن نواجه عنفاً يتم تمويله بالمليارات والأفكار المتطرفة من دول مجاورة «للأسف»! ولكن نجد في المقابل أن يد الدولة المصرية قوية لحد كبير جداً للتصدي لهؤلاء المجرمين والإرهابيين.
ولكن ماذا عن تلك البلاد التى تصدر لنا الإرهاب وتموله!؟
بإعتقادي أنها ستعاني منه ومن ويلاته، لأن التعامل مع الإجرام وتلك العصابات لابد أن ينقلب عليهم.. نعم العالم كله يعاني من الإرهاب ومن تلك الجماعات ولابد ان نتكاتف للقضاء على المصادر الأساسية.. وأهم هذه الطرق هو تجفيف منابع تمويل هؤلاء المرتزقة القتلة المأجورين واستخدام أحدث التقنيات للكشف عنهم وعن مخططاتهم واحكام السيطرة الأمنية عليهم. فإذا فكرنا بواقعية، لتحققنا أن الإرهاب والأفكار التكفيرية تزايدت فقط بعد منتصف السبعينات، وبدأ تمويلها ودعمها من عدة دول عربية «للأسف» وبالأسلحة من عدة دول غربية أيضاً ، وذلك لمصالحهم الخاصة في المنطقة وخصوصاً في مصر، تلك البلاد ضخت المليارات لتشويه الشخصية المصرية.. ودفعت المليارات لتقسيم المجتمع المصري وتغيير اسلوبه وقيمه، ولابد أن نعترف بأنها نجحت بنسبة كبيرة… ولكن الحقيقة أن المجتمع رافض تماماً لهذا التغيير الجديد والإسلوب المشوّه، لأن الشعب المصري شعب طيب عريق متآلف، فمهما جدّ عليه من أشكال وأساليب وتشويه، فهو كالذهب إذا نفضنا عنه هذا الغبار وتلك الأفكار سريعاً ما يستعيد شكله وبريقه وقيمته.. قد نحتاج لإسلوب جديد ومبتكر في معالجة الأمور، حتى لا نصطدم بقلة قليلة مغيّبة من المجتمع وصلت لحد الدروشة والهلع الديني، وخصوصاً فئات الشعب المحتاجة ومحدودة الدخل، فهؤلاء من السهل التأثير عليهم، وهذا ما حدث خلال انتخابات «محمد مرسى» بالزيت والسمن ، والتزوير الذي وصل إلى حكم أكبر بلد عربي في المنطقة، وانتفض الشعب ليزيح هذه الغمة وانكشفت الأمور وعرف الشعب حقيقة هذا التيار المتأسلم والذي يتاجر بالدين. وذلك إلى جانب غياب الإعلام الوطني المحترم الذي عليه مساندة الدولة وأجهزتها، لكنه للأسف تحول إلى بوق لتهييج الشعب والرأي العام في قضايا فرعية معظمها مفتعل من تلك الجماعات الإرهابية مثل أزمة السكر وغيرها. انني متيقن من أن الثقافة والفنون القيّمة هى الحل الوحيد، للتصدى لهذا الفكر وعندما نشاهد أفلام الخمسينات والستينات وحتى السبعينات نجد أن الفن لعب الدور الأكبر في استقرار الحياة الإجتماعية والحفاظ على الهوية المصرية ، وإذا شاهدنا جمهور الحفلات الغنائية نجد المجتمع بصورته المحترمة ولبسه وهندامه يضاهي الغرب وطبقاته، ارجع إلى حفلات أم كلثوم وعبد الحليم و.. و..
ارجع إلى النصوص وطريقة المعالجة الفنية، واسلوب الحوار والسيناريو، وإلى نجوم السينما والمسرح.. لم نسمع من قبل تلك الألفاظ الخارجة.. والآن كل أفّاق يطالب بالسينما النظيفة والأخلاقيات.. و.. و.. كلها مصطلحات لامعنى لها لأن الفن صورة المجتمع، لقد عشنا وكبرنا على أجمل أنواع الفنون، والآن نعاني من تدني المستوى بصفة عامة. إن عمالقة الفن كانوا يتقاضون ملاليم إذا قورنت بمن يدّعون انهم نجوم اليوم الذين يتقاضون الملايين… نعم الملايين وهذا ليس سراً أو مغالاة!!
وعندما تساءلت جاءتني الإجابة لأن الجمهور عايز كده!!
ليه!؟ لأنهم لوثوا الفكر والعقل فى جميع صوره الصوتية والجمالية…
وإجابة أخرى، كيف نخصص أكثر من نصف ميزانية العمل والإنتاج لمرتب نجم واحد، وهذا طبعاً يؤثر على الإخراج والإنتاج فنياً؟! جاءت الإجابة صادمة أيضاً: هو ده اللي يجيب إعلانات!!
لقد ضحينا بكل شئ مقابل الإعلانات، وللعلم هذا ما يحدث فى الإعلام فى برامج التوك شو.. إعمل حلقة ساخنة تجيب إعلانات كثيرة، علشان المذيع المتسول يقبض ملايين الجنيهات متجاهلاً الصالح العام والقضية الكبرى «الوطن». إذاً الموضوع يتلخص فى أن الثقافة والفنون والإعلام قادرون على إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه. مصر لديها المواهب والإمكانيات والكتاب، ولكن المشكلة تكمن فى الإنتاج لأنه يبحث عن المكسب السريع والمضمون وهذا طبعاً من حق المنتج، ولكن على الدولة ان تدخل مجال الإنتاج وبسرعة، وعليها اختيار الأعمال الكبيرة واستدعاء الكتاب والمفكرين والمخرجين الذين لهم بصمات في تاريخ السينما والمسرح المصري. وهذا ليس جديداً فقد لعبت وزارة الثقافة وغرفة صناعة السينما دوراً كبيراً في الماضي، ولكن للأسف تم تجاهله على أيد مجموعة من المواطنين الذين لايقدّرون أن الثقافة والفنون هى الحل الوحيد والأمثل والأسهل والأوفر لمكافحة التطرف الفكري والبعد عن حالة التدين الشكلي والمصطلحات الرنانة التي يُتاجَر بها.. ومن ناحية أخرى انتشار الفنون خارج حدود مصر ما هي إلاّ رسالة للعالم ورسالة قوية لعودة السياحة وتوفير المناخ الآمن للسياح، وعودتهم إلى أجمل شواطىء في العالم وأكثر بقاع العالم آثاراً. لقد توقفت تلك البعثات الثقافية والنشاطات السياحية إلاّ في مناطق محدودة جداً جداً وبتعليمات من الدولة، لقد تقنن دور الفن والثقافة المصرية وتقلص دور مصر بالسياحة والترويج لها من خلال المهرجانات والأعمال الفنية.
لقد انعكس ذلك على الانتاج في مصر فأصبح يخاطب الجمهور المصري والعربي بلا طموح للخروج للعالمية او المشاركة الفنية في المهرجانات، وهذا ينطبق
على كافة المجالات الفنية سينما ومسرح وغناء ورقص، حتى الكتب والمكتبات كلها للإنتاج المحلي ولاترتقي للمشاركة خارج حدود مصر.
من المعروف أن مصر قلعة الفنون في الشرق الأوسط وهي رائدة كل الفنون بكل المعاني إلاّ أنّ تقاعص المسؤولين وإهمال مراكز الشباب والمراكز الثقافية أدّى إلى تدهور الحال بها وأصبحت فقيرة جداً جداً.. هل يمكن أن نصدق ان الهند وصلت للعالمية وان الفيلم الإيراني حاز على أوسكار السينما ونحن في مصر نشاهد المسلسلات الهندية والتركية!؟
هل نتصور أن دار الكتاب المصرية بها عشرات الآلاف من الكتب في البدروم وعندما نحاول أن نقدم لهم عملاً جاداً، يأتي الرد بالرفض بعدم وجود ميزانية!!
ماذا عن الكتاب المصريين في كندا وأمريكا، لماذا لا توزع هذه الكتب على المكاتب الثقافية لعمل مكتبات للإستعارة أو حتى التوزيع!؟..
لقد قمتُ سابقاً بإنشاء مكتبة ثقافية تضم أكثر من ١٠٠٠ كتاب مصري في المكتب الثقافي بمونتريال، فمثل هذه النشاطات لها التأثير القوي المفيد على الجميع، فلماذا لانتساعد بنشر هذه التجربة في كافة المكاتب الثقافية!؟.
كما تقدّمتُ سابقاً بطلب لوزارة الهجرة والمصريين في الخارج ووزارة الثقافة بنشر كتاب يحتوي على 45عالماً مصرياً لديهم إختراعات في العديد من المجالات ولكن للأسف جاء الرد: «لايوجد لدينا ميزانية لذلك، بالإضافة إلى أن هذا ليس من إختصاصنا».!!!
والجميع يعلم ويعرف تمام المعرفة أن هؤلاء العلماء ثروة قومية لمصر ، وهم السبب في رفع إسم مصر عالياً في الداخل والخارج وقد قدموا للعالم العديد والعديد من الإختراعات التي خدمت البشرية، فهم فخر لمصر والمصريين ، وأفيدكم علماً بأنهم على أتم الإستعداد ليكونوا رهن إشارة مصر. لقد نجحت جمعية الصداقة المصرية الكندية بالتعاون مع الهيئة العامة للإستعلامات في طباعة هذا الكتاب وتقديمه هدية للجهات المسؤولة، للتواصل مع هؤلاء العلماء والإستفادة منهم كل الشكر والتقدير للسفير صلاح عبد الصادق لتفهمه أهميه هذا الكتاب «علماء مصريون في سماء العلم» والشكر والتقدير للدكتور الحويني على المادة العلمية ولكل من ساهم في هذا العمل القيّم حتى يرى هذا الكتاب النور. إن الثقافة والفنون المصرية في غرفة الإنعاش منذ سنوات ولابد للمسؤولين في مصر وخارجها التغيير من الأسلوب النمطي والوصول إلى حلول مبتكرة لدفع عجلة الثقافة في الداخل والخارج لأنها هي الداعم الوحيد لدفع عجلة السياحة إلى مصرنا الغالية. ولا أتصور أبداً أن تفتقد بلاد المهجر النشاطات الثقافية التي تصل الإجيال ببلدهم الأم وتجدد ذكريات الأجيال السابقة المهاجرة. لا أمل بلا ثقافة وفنون وإعلام جاد لمواجهة الإرهاب والتطرف، لأنها حرب فكر متطرف.. نعم نحن بحاجة للمواجهة الأمنية القوية ، ولكن مع محاربة ثقافية فنية للأفكار المتطرفة، وليس الندوات والمحاضرات والكلام المعسول والتمنيات.
الفنون هي القوى الناعمة الحقيقية التي لايُستهان بها.
ليتنا نطبّق المقولة الشهيرة لجورج برنارد شو:
«لو كان لديك تفاحة ولدي تفاحة مثلها وتبادلناهما فيما بيننا سيبقى لدى كل منا تفاحة واحدة. لكن لو كان لديك فكرة ولدي فكرة وتبادلنا هذه الأفكار، فعندها كل منا سيكون لديه فكرتين» وقد يبدو أن المسؤولين في مصر عن الثقافة والفنون لم يتنبّهوا لحكمة برنارد شو الشهيرة أيضاً:
«عقل الأحمق يرى الفلسفة ثرثرة.. والعلم خرافة ويختزل الفن في الرسم».
الخلاصة، أن الفن له نشاطات ومجالات عدّة، فإما أن نعود لمكانتنا العلمية والثقافية والفنية ، أو نبقى أرضاً خصبة للتطرف والفكر الإرهابي…
عزيزي القارئ
الغريب والمحزن أن الأحداث الإرهابية طالت كندا البلد الآمن بعمل غاشم وحقير على المصلين فى جامع بمدينة كيبك أثناء تأديتهم للصلاة!!
الله يرحم الشهداء ويلهم أهلهم وأصدقاءهم الصبر والسلوان.
والسؤال الذي يراودني كيف للشباب في الخارج الذين نشؤوا في بلاد آمنة تتمتع بالحرية أن يصل بهم الأمرإلى هذا الحد الإجرامي!؟
هذه ظاهرة لابد من دراستها ويجب التصدي لها فكرياً حتى لا تتكرر ولاتزداد عنفاً.. والأمل الكبير أن يأتي اليوم الذي يُقضى به على الإرهاب في جميع دول العالم.
وبمناسبة «عيد الحب»أمنيتي وأملي أن يُغَلّف الحب والمحبة جميع أرجاء العالم وينتشر السّلام في قلوب البشر أجمع.. وإلى أن نلتقي لكم مني كل الحب والتقدير.