في مثل هذه الأيام من شهر نوفمبر عام 1992 أي منذ أربعة وعشرين 24 عاماً ، وفي الليلة السابقة لإنتخابات الرئاسة التي تنافس فيها الرئيس بوش الأب ، مع شاب وسيم إسمه بيل كلينتون ، لم يكن لديه أية خبرة سياسية سوى أنه كان حاكماً لولاية أمريكية صغيرة إسمها أركنساس ، أو أركنصو حسبما يحب الأمريكيون نطق إسمها ، وهذا كل شئ بالنسبة لهذا الشاب الذي أطلقوا عليه ” كاوبوي أركنصو ” ، وما أدراكم من هو جورج بوش الأب . . إنه واحد من أهم الشخصيات في تاريخ أمريكا ، وقد عُرِفَ بنشاطه السياسي منذ عام 1958 في الحزب الجمهوري ، وفاز عام 1966 بمقعد في مجلس النواب الفيدرالي ، ومثل بلاده سفيراً لدى الأمم المتحدة من 1971 حتى 1972، وفي عام 1977 أصبح رئيسا لوكالة المخابرات المركزية (CIA) ، وبعد تولي الرئيس جيمي كارتر الرئاسة استقال جورج بوش من العمل في وكالة المخابرات المركزية .
ثم عاد لنشاطه السياسي سنة 1979 بترشيح نفسه لتمثيل الحزب الجمهوري في سباق الرئاسة ، غير أنه عاد ليؤيد المرشح الجمهوري الأقوى رونالد ريغان ، وبفوز ريغان صار بوش نائباً للرئيس من سنة 1981 حتى سنة 1988، وفي عام 1989 أصبح بوش الرئيس الحادي والأربعين للولايات المتحدة ، ووقع مع الرئيس الروسي ميخائيل غورباتشوف معاهدة تقضي بإنهاء حالة العداء بين البلدين، والتي اعتبرت نهاية للحرب الباردة وأسهمت في التقليل من أسلحة الدمار الشامل ، ويعتبر الرئيس بوش ( الأب ) صاحب عبارة ” النظام العالمي الجديد” ، وقد قاد الولايات المتحدة للتدخل في حرب الخليج الثانية ضد العراق إلى جانب قوات من 27 دولة من بينها العديد من الدول العربية والإسلامية في فبراير/ شباط عام 1991 بعد احتلال العراق للكويت في أغسطس/آب عام 1990 ، كما أنه في عهده إنتهت الشيوعية العالمية ، وتفكك الإتحاد السوفييتي إلى عدة دول ، وتم تدمير حائط برلين الذي كان يفصل بين ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية ، وعادت ألمانيا دولة واحدة بعد أن إنقسمت إلى دولتين غربية وشرقية إثر الحرب العالمية الثانية ، وتحول العالم إلى عالم القطب الأوحد ، وهو الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت تحكم العالم . . كذلك شهدت أمريكا إنجازات إقتصادية داخلية هائلة ، وتحسنت الأحوال المعيشية للأمريكيين في الفترة الرئاسية الأولى للرئيس بوش الأب . . من كان يتصور أن هذا الرجل الذي حقق لأمريكا إنجازات هائلة خارجياً وداخلياً يمكن أن يخسر عندما يرشح نفسه لفترة رئاسية ثانية أمام كاوبوي قادم من أركنصو لا يعرفه أحد سوى سكان هذه الولاية ، ولم يكن لديه أية خبرات سياسية . . لكن هذا ما حدث وفاز بيل كلينتون على جورج بوش الأب . . فاز الشاب الوسيم الكاوبوي على أهم شخصية سياسية في التاريخ الحديث للولايات المتحدة الأمريكية ، وتولى رئاسة أمريكا ليس فقط لفترة رئاسية واحدة ، بل لفترتين استمرتا ثمانية أعوام من 1993 – 2001 رغم فضيحته الجنسية مع المتدربة الأمريكية في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي .
وأذكر أنه في الليلة التي سبقت الإنتخابات ، أقمت مأدبة عشاء في منزلي بدبي على شرف ضيفي المخرج السينمائي حسام الدين مصطفى ، ودعوت إليها السفير بدير الغمراوي قنصل عام جمهورية مصر في دبي ، والمذيع التليفزيوني اللامع صلاح الدين مصطفى ، والمصور التليفزيوني اللامع محمد صلاح الدين ، كذلك حضر العشاء مجموعة من الأصدقاء الأمريكيين ، وكان من الطبيعي أن تتغلب الإنتخابات الرئاسية الأمريكية على أية موضوعات أخرى تحدثنا فيها . . وقد أجمع الحاضرون على أن بوش سيكتسح بيل كلينتون ، وكان ذلك أيضاً رأي الأصدقاء الأمريكيين الذين تواجدوا معنا في تلك الليلة . . وبما أنني كنت المُضَيِّف لكل هؤلاء الأصدقاء ، فقد قررت أن أكون آخر المتكلمين ، وعندما إنتهوا جميعاً نطقت بما لم يتوقعه واحد منهم . . خالفتهم جميعاً في الرأي وقلت أن بيل كلينتون سيفوز في هذه الإنتخابات ، فكانت ردود أفعالهم متباينة بين حوار متعقل من جانب ضيوفي الأمريكيين ، إلى نقاش هادئ من جانب السفير والمذيع والمصور لمعرفة سبب توقعاتي ، إلى غضب شديد وعصبية في رد الفعل من جانب المخرج السينمائي حتى أنني خلت من فرط حماسه لبوش أنه سيترك حفل العشاء ويغادر منزلي . . قلت للجميع أنني أدرك الفارق بين المُرَشَّحَيْنِ جيداً ، ولا أدَّعي أن الله منحني القدرة على قراءة المستقبل ، وربما كنت مخطئاً ، لكني أرى أن الرئيس بوش قَدَّم كل ما عنده خلال فترة رئاسته الأولى ، وما قبلها ، ولم يعد يملك جديداً يُقَدِّمْهُ لأمريكا أكثر مما قَدَّم . . ِإلْتَفَتُّ إلى الأصدقاء الأمريكيين وقلت لهم أنتم الأمريكيون تعيشون على نظام صنع النجم Star Making System ، تبحثون عن وجه جديد ترفعونه إلى السماء ، وتحتفلون به ، وتطلقون حوله صواريخ الزينة Fire Games ، ثم بعد أن يقدم كل ما عنده تتركوه يسقط على رقبته ، وتبحثون عن نجم جديد تحتفلون به ، ليقدم لكم شيئاً جديداً مختلفاً . . هكذا أنتم أيها الأمريكيون ، وهذا ما تفعلونه في السياسة والفن والرياضة والاقتصاد وكل شئ . . فسكت الجميع وأذهلهم ما قلته ، إلا المخرج حسام الدين مصطفى الذي تحداني ، وراهنني على إكتساح جورج بوش الأب لمنافسه بيل كلينتون . . وفاز كلينتون ، وتوفى حسام رحمه الله قبل أن يدفع لي قيمة الرهان .
فهل يعيد التاريخ نفسه ، ويفوز دونالد ترامب على منافسته هيلاري كلينتون . . رغم أن كل شئ ضده . . إثنان من رؤساء أمريكا يقفون معها بكل قوة . . زوجها بيل كلينتون ، والرئيس الحالي باراك أوباما . . حتى الرئيس جورج بوش الأب أعلن أنه مع هيلاري رغم غرابة هذا الموقف حيث أنه ينتمي للحزب الجمهوري الذي يمثله ترامب . . كذلك فإن موقف رئيس مكتب التحقيقات الفيرالية FBI في بيانه بأنه لا يوجد في رسائل البريد الالكتروني الحكومي الخاص بالمرشحة هيلاري كلينتون والتي تضمنتها وثائق ويكيليكس ما يقتضي محاكمتها ، فجن جنون ترامب وإتهم رئيس FBI بأنه أذعن للضغوط التي مورست عليه ، كذلك فإن التقارير التي تتحدث عن رغبة تجار السلاح والبنوك الأمريكية والقوى الاقتصادية والسياسية والإعلامية والفنية في فوز هيلاري . . كل شئ ضد ترامب ، حتى ترامب نفسه ضد ترامب !! بتصريحاته الغريبة الشاذة ، وإتهاماته الحادة لمنافسته . . استطلاعات الرأي كلها ترجح فوز هيلاري ، وإن كان ترامب قد نجح في تضييق الفارق بينه وبين هيلاري في اللحظات الأخيرة من 4 نقاط إلى 3.2 ، وبلغة الأصوات فإن 268 صوتاً لكلينتون مقابل 204 لترامب . . أقول رغم كل ذلك . . إلا أنني لن أندهش إذا فاز ترامب ، وتم إعلانه غداً رئيساً جديداً لأمريكا . . فهذه هى أمريكا .
شخصياً لا يعنيني من يفوز ، فأنا كما سبق وأن كتبت في سلسلة مقالاتي التي نشرتها من ثلاث سنوات بعنوان ” النظام العالمي الجديد ” أو
New World Order NWO أن رئيس أمريكا ما هو إلا منفذ وخادم لسياسات تضعها ” حكومة عميقة ” أو قوة خفية تتكون من العائلات المالكة للبنوك المركزية ، وتجار السلاح . . هذه القوة هى التي تحكم أمريكا وتحكم العالم كله ، وتسعى إلى إقامة عالم جديد فوق كوكب الأرض يكون تحت حكمها وسيطرتها ، ولا يسمح لروسيا أو الصين أو أية قوة بالإقتراب من هذه المنطقة المحرمة ، وأقصى ما يمكن أن تسمح به هو الإقتراب من أحد المرشحين مثل ترامب ، وسوف يتم إيهامهم أنهم نجحوا بأساليب استخباراتهم في أن يكسروا سرية أنظمة الحاسوبات الالكترونية الأمريكية ، ويؤثروا في الناخب الأمريكي . . لكن ذلك مجرد وهم .