تستهدف مصر تمويلًا من صندوق النقد الدولي بنحو 12مليار دولار سنويًا لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعته الحكومة لمدة 3 سنوات بقيمة إجمالية 12 مليار دولار، وفي حال حصول مصر على قرض الصندوق فإن فترة السماح ستكون 3.25 سنة وفترة السداد 5 سنوات تبدأ فور انتهاء فترة السماح. صندوق النقد الدولي يمثل أحد أشكال اختراق السيادة الوطنية للدول، من باب الاقتصاد، كوسيلة للسيطرة على القرار السياسي، ومن هنا تكمن خطورة الانصياع لسياساته، لأنها تفقد الدول استقلالها الاقتصادي والسياسي.
والمتتبع لنشاط صندوق النقد الدولي منذ إنشائه حتى الآن يستطيع أن يتبين فقدان هذه الانتقادات للكثير من قوتها بعد سقوط النظام الشيوعي في روسيا والدول المتحالفة معها، وتبني هذه الدول لاقتصاديات السوق علي نحو أو آخر وبعد أن تطورت سياسات الصندوق وحرصها علي أن تأتي شروطها محققة للإصلاح الاقتصادي دون التضحية بالجانب الاجتماعي وعدالة التوزيع وعلي أية حال إذا كان هناك من الأسباب الموضوعية التي تدعو إلي الاقتراض من صندوق النقد الدولي في المرحلة الحالية
فان هذا لا يعني أن نقبل بشروطه أياً كانت إذ من حقنا أن نتفاوض حول الشروط غير المقبولة التي قد يفرضها بل ومن حقنا أن نرفضها كما أن من واجبنا عندما نتعاقد مع الصندوق أن نحرص علي فتح القنوات الاخري التي يمكن أن تساعدنا في التغلب علي عجز السيولة النقدية وفي مقدمتها الدول الصديقة خاصة الدول العربية الشقيقة التي يتوافر لديها فائض يسمح بذلك، ويا حبذا أن تكون أعباء هذه القروض ميسرة
بل وأن تكون منحاً أكثر منها قروضاً بل ويا حبذا لو جاءت هذه المساعدات في صورة مشاركات استثمارية وليس في صورة قروض. كما ان من الأهمية بمكان أن نحرص علي إنفاق حصيلة ما يتم الحصول عليه من قروض لتشغيل الطاقات الإنتاجية العاطلة
بل وفي خلق طاقات إنتاجية جديدة ما يسهم في تحريك عجلة الإنتاج وإتاحة المزيد من فرص العمل وأن نتفادى وبقوة استخدامها في أغراض استهلاكية غير إنتاجية أو لاكتساب شعبية زائفة، حتى يمكن سداد هذه القروض بيسر دون إرهاق وما نقوله هنا عن أهمية القروض في الأجل القصير لا يجوز أن ينسينا ضرورة الاهتمام ومن الآن بتنمية مصادر التمويل المحلية. أن أزمة الدولار هي إحدى نتائج تدهور الأوضاع الاقتصادية
بسبب أن وجود سيولة مرتفعة في السوق دون إيراد يخلق طلبًا عاليًا دون إنتاج يواجهه وهو ما يضطر مع للجوء للاستيراد لتلبية هذه الطلبات وارتفع بسبب ذلك عجز الميزان التجاري، مع مرور السياحة بأسوأ فترة لها في آخر 10 سنوات.
أن مصر تستهدف من خلال هذا القرض، سد الفجوة التمويلية في مشروعاتها، وإعطاء شهادة ثقة للمستثمرين اﻷجانب في إجراءات اﻹصلاح الاقتصادي المصري، والتي سيُشرف عليها الصندوق، أن ارتفاع معدلات عجز موازنة العام المالي الجديد إلى حوالي330 مليار جنيه. أن قرض صندوق البنك الدولي، يمثل محاولة لحل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر على المدى القصير، من خلال الاقتراض بدلًا من جذب الاستثمارات، ولا ترجع أزمة السيولة إلي العجز المتزايد في الموازنة العامة وحسب ولكن حالة عدم الاستقرار والقلق التي سادت بعد الثورة أدت إلي خروج قدر كبير من الأموال الأجنبية، خاصة الساخنة المستثمرة في البورصة وأذونات الخزانة ما أدي إلي انخفاض احتياطي البنك المركزي بحوالي 20 مليار دولار تقريباً بما يوازي 120 مليار جنيه مصري
ليصل الآن إلي حوالي 14.8 مليار دولار وهو ما لا يكفي لتغطية واردات مصر لأكثر من ثلاثة أشهر تقريباً. ولقد صاحب انخفاض احتياطي البنك المركزي انخفاض ما يملكه الجهاز المصرفي من أصول أجنبية، ولقد أدي ذلك إلي مزيد من الضغط علي قدرة البنك المركزي علي توفير السيولة النقدية التي يحتاجها الاقتصاد المصري.
هذا النقص الشديد في السيولة النقدية له العديد من الآثار السلبية علي قدرة الدولة علي توفير التمويل اللازم لمواجهة التزاماتها وأهدافها التنموية الأساسية، خاصة في مجالات التعليم والصحة وتطوير البنية الأساسية وتخفيف حدة البطالة…الخ.
ويصبح الهم الأكبر لوزير المالية في الأجل القصير وفي أقرب فرصة ممكنة هو القضاء علي هذا النقص أو علي الأقل العمل علي تخفيضه وإلا فلا تنمية ولا عدالة هذه هي الحقيقة القاسية التي يواجهها الاقتصاد المصري في المرحلة الراهنة وهي ليست محل خلاف ولا تحتمل المزيد من التأجيل… والسؤال كيف يمكن مواجهتها؟.
تراجع حاد في صافي الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفي بما يعادل 41 مليار جنيه وبمعدل 79.6% خلال الربع الأول من العام المالي ليبلغ 10.5 مليار جنيه فقط . وجاء هذا الانخفاض نتيجة تراجع صافي الأصول الأجنبية لدى كل من البنك المركزي بما يعادل 29.8 مليار جنيه والبنوك بما يعادل 11.2 مليار جنيه. وسجلت الأصول الأجنبية لدي البنوك نحو 81.7 مليار جنيه ، فيما بلغت الخصوم نحو 66.7 مليار جنيه ليبلغ صافي الأصول نحو 14.9 مليار جنيه نهاية سبتمبر الماضي .
ويعبر صافي الأصول الأجنبية بالجهاز المصرفي ككل عن الأصول المستحقة للقطاع على غير المقيمين مطروحاً منها التزاماته تجاه غير المقيمين ، ليمثل التغير في هذا البند صافي معاملات الجهاز المصرفي بما فيه البنك المركزي مع العالم الخارجي. ويواجه الاقتصاد المصري صعوبة في تدبير الاحتياجات اللازمة من النقد الأجنبي لاسيما مع اتساع عجز ميزان التجاري بأكثر من 38 مليار دولار
فضلا عن تراجع إيرادات الدولة من السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير مباشرة . وقد شهد شهر سبتمبر الماضي سداد مصر قيمة سندات مستحقة بقيمة 1.25 مليار دولار الأمر الذي انعكس على تراجع الاحتياطي الأجنبي خلال هذا الشهر بأكثر من 1.7 مليار دولار ليبلغ 16.3 مليار دولار ، إلى أن ارتفع الاحتياطي طفيفا في شهري أكتوبر ونوفمبر ليدور حول مستوى 16.4 مليار دولار . أما العجز في ميزان المدفوعات المصري فإن أسبابه عديدة ومعروفة ولكن ليس من بينها ما يفسر لصالح الاقتصاد المصري كما هو الحال عليه في العالم الأول. لا شك أن سياسات الانفتاح على الخارج بغرض التبادل المفتوح مع الآخرين والرغبة في إدخال الخدمات الالكترونية المعاصرة يساهم في تعجيل عملية التنمية إلا إن الإفراط في إدخال أدوات الاتصال المعاصرة دون القدرة على الانتفاع منها أثر على نحو سلبي على حركة الاستيراد ككل وبالتالي أرهق ميزان المدفوعات المصري على نحو كبير. التشجيع على الاستيراد كان حتى وقت قريب غاية بحد ذاته، أي كان على السوق التجاوب مع حاجات الدول الكبرى في رفع الحواجز الحائلة دون تدفق سلعها إلينا.
ولكن ما لم يدركه واضعو سياسات التخطيط الاقتصادي أن الانفتاح وحده لا يكفي دافعا لتنشيط العملية الاقتصادية، لأن عجز السوق المحلي عن مقابلة الاستيراد بصادرات منافسة يرهق الجنية المصري أو يرهق احتياطيات البنك المركزي على نحو كبير. الإبقاء على عجز الميزان التجاري قائما يقتضي تصحيحا لذلك عبر تحرير سعر صرف الدينار حتى يعود التوازن إلى السوق المصري مقارنة مع الأسواق العالمية. وهذا تماما ما يحدث في الدول الكبرى حيث ينعكس العجز في ميزان المدفوعات إلى انخفاض أسعار عملاتها وبالتالي إلى مزيد من الإقبال على سلعها مرة أخرى