بقلم – الدكتور عادل عامر
يعقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة دورته العادية (27) في نواكشوط عاصمة الجمهورية الإسلامية الموريتانية خلال الفترة 25-26 يوليو 2016 وتنطلق أهمية هذه القمة العربية التي تحتضنها نواكشوط عاصمة الجمهورية الإسلامية الموريتانية في مرحلة عربية بالغة التعقيد والتحديات، حيث نتطلع أن تكون نتائج قمة الأمل في نواكشوط على مستوى التحديات وتفتح الآفاق الواعدة لتجاوز هذا الوضع العربي الصعب.
كما أنها فرصة للتواصل مع الشعب الموريتاني الشقيق الذي يستضيف لأول مرة هذه القمة، وإن الموقع الجغرافي المتميز الذي تتمتع به موريتانيا باعتبارها جسرا يربط أفريقيا والوطن العربي سيضفي على هذه القمة زخما لتوثيق أواصر التعاون العربي الأفريقي وتعزيز الروابط الثقافية والحضارية بين أفريقيا والوطن العربي. وتتناول القمة جملة من الموضوعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وسبل تعزيز العمل العربي المشترك في هذه المجالات الحيوية والخروج بنتائج ايجابية لخدمة المواطن العربي وتطلعاته.
وستحل الوفود العربية المشاركة في هذه القمة ضيوفا على الشعب الموريتاني الكريم الذي يشتهر بثقافته المتعددة وبعشقه للشعر العربي نظماً وحفظاً، هذا الشعر الذي كان ولا يزال ديوان العرب وسجل أحسابهم وأنسابهم وأيامهم ومستودع حكمتهم وبلاغتهم.
قمة عربية تعقد في موريتانيا وسط تحديات عديدة داخلية وخارجية، فبعد رفض المغرب استضافتها مؤكدة أنها لم تحقق تطلعات الشعوب، وخرجت عن سياقها المأمول، دخلت قمة موريتانيا في اختبار واسع أمام المتابعين، وأثارت توقعات متباينة قبل بدئها بأيام معدودة، بين من يؤكد من القائمين عليها أنها ستعيد النشاط للجامعة ومن يؤكد فشلها في وضع حلول للقضايا المطروحة للنقاش، لاسيما في ظل كثرة الأزمات والمشاكل التي تحيط بالمجتمع العربي من سوريا والعراق حتى ليبيا واليمن، فضلًا عن القضية الفلسطينية.
وبصرف النظر عن التوقعات بنجاح “قمة الأمل” أو فشلها، تخرج عادة، وفق المراقبين، بقرارات تصاغ بطريقة “جامدة” تصلح لكل زمان ومكان مما أفقد المواطن العربي الثقة في منظومة العمل العربي المشترك ومؤسساته، وعلى رأسها الجامعة العربية التي تأسست عام 1945 إلا أنها بقيت عاجزة ولم تقدم جديدا في القضايا العربية المصيرية خاصة القضية الفلسطينية.
وأكد سفير موريتانيا لدى مصر ومندوبها الدائم بجامعة الدول العربية ودادي ولد سيدي هيبة، أمام اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين بالعاصمة الموريتانية، الخميس الماضي، أن “قمة نواكشوط “تعقد في ظروف عربية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد”، لافتا أن القادة العرب “يدركون حجم التحديات التي تواجه تلك القمة”، آملا أن “تسهم القمة في تحقيق عمل جديد يستجيب لتطلعات وآمال الشعوب العربية لينعم المواطن العربي بحياة كريمة”.
وقد تم تجهيز خيمة كبيرة لاستضافة القمة العربية الحالية بموريتانيا، داخل مقر قصر المؤتمرات الدولي بنواكشوط، على أن تعقد اجتماعات الوزراء والسفراء داخل قاعات قصر المؤتمرات.
وما صعب أيضًا المهمة الاعتذارات من جانب بعض زعماء العرب. فنجاح القمم العربية بات يقاس بكم ونوع الحضور لها، حيث إن الظاهر قبل بدء القمة بيوم واحد هو اعتذار الكثير من الرؤساء عن حضور القمة العربية. وذكرت وسائل الإعلام الأردنية أن الملك عبد الله الثاني لن يحضر القمة العربية في نواكشوط، وأن رئيس الوزراء هاني الملقي سيترأس الوفد المشارك في أعمال القمة.
كما اعتذر الرئيس عبد الفتاح السيسي لعدم حضور القمة العربية، وكلف المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، يترأس وفد مصر في اجتماعات القمة العربية التي تستغرق يومين، كما تداولت وسائل إعلام فلسطينية أنباء بغياب الرئيس الفلسطيني محمود أبو مازن عن القمة؛ نظرًا لوفاة شقيقه في قطر منذ يومين، وتوجهه للعزاء هناك، كما تداول كثيرون عدم مشاركة الرئيس الإماراتي والملك السعودي في القمة؛ بسبب ضعف التأمين.
بالإضافة إلى ذلك يأتي توتر علاقات نواكشوط مع بعض العواصم العربية، وخاصة الجارتين المغرب والجزائر، بانعكاسات على حجم الحضور للقمة العربية، فقد شابت العلاقات الموريتانية المغربية توترات متكررة خلال الأسابيع الماضية، أبرزها رفض العاهل المغربي استقبال وزير الخارجية الموريتاني الذي يحمل رسالة دعوة للقمة العربية، كما قامت موريتانيا بطرد موظفين مغاربة من شركة الاتصالات المغربية الموريتانية؛ بحجة عدم امتلاكهم رخصًا للعمل في البلاد.
أما الجزائر فشابت هي الأخرى علاقتها بعض التوتر مع موريتانيا، خاصة بعد تعليق الأولى الشق العسكري من التعاون مع موريتانيا؛ بسبب انخراطها في مجموعة دول الساحل على حساب دور الجزائر في المنطقة، وبات من الأكيد عدم حضور الرئيس الجزائري، حيث أكد سفير الجزائر بنواكشوط نور الدين خندودي أن بلاده مهتمة بإنجاح قمة نواكشوط، وستشارك بوفد رفيع يرأسه رئيس مجلس الأمة.
قبل بدء القمة بيوم، ومنذ التحضيرات الأولى لها، وظهرت الخلافات العربية على السطح، فما إن بدأ وزراء الخارجية في صياغة بيان حول التعامل مع إيران والتدخل التركي في العراق، حتى ظهر التباين والاختلاف في وجهات النظر، حيث اعترض الكثير على صياغة البيانات الخاصة بالمشروعين.
من هذه الخلافات التي ظهرت على السطح أيضًا إنشاء القوة العربية المشتركة، ففي 29 من مارس سنة 2015 قرأ الأمين العام السابق للجامعة العربية نبيل العربي بيانًا أمام المشاركين في القمة العربية الـ 26 التي عقدت في شرم الشيخ، قال فيه إن الدول اتفقت على تشكيل قوة عربية مشتركة، تكون مهمتها الأساسية “مواجهة التحديات وصيانة الأمن القومي العربي”. ولكن بعد مرور أكثر من عام على هذا الإعلان، لم تشكل الدول العربية الجيش المشترك الموعود، رغم أن دولًا أعضاء لا تزال تمزقها النزاعات، وتشكي من الاضطرابات الأمنية، بينما يشن متشددون بشكل شبه يومي هجمات في دول أخرى.
وأكد المراقبون أن الحديث عن هذه القوة العربية المشتركة أصبح من الخيال؛ لأن المملكة العربية السعودية معترضة على إنشائها، فعقب الإعداد لصياغة القوة العربية وعرضها على السعودية، جاء الرفض حتميًّا، بينما تتحرك القاهرة في هذه القمة؛ لعرض مشروع القوة مرة أخرى.
تعرض الجامعة ما أقره وزراء الخارجية العرب، خلال اجتماعهم التحضيري للقمة، في بداية الشهر الحالي، حول مشروع تعديل ميثاق الجامعة. ويتضمن الميثاق تعهد الدول الأعضاء بالعمل وفق المبادئ الأساسية، والتي تحترم سيادة الدول الأعضاء واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها وأنظمة الحكم القائمة فيها، والحفاظ على المصالح العربية المشتركة. وشملت بنود الميثاق عدم تدخل أي دولة في الشؤون الداخلية لدولة عضو أخرى، مع الالتزام بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة واحترام المعاهدات والاتفاقات والمواثيق الدولية، واحترام مبدأ المساواة بين الدول الأعضاء في الحقوق والواجبات، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، وتسوية الخلافات بالطرق السلمية، واحترام المبادئ الديمقراطية وقيم العدل والمساواة وضمان حماية حقوق الإنسان وتعزيز الحكم الرشيد وسيادة القانون.
وتم تشكيل 4 فرق لدراسة وتطوير الجامعة العربية من المملكة العربية السعودية، ومصر، والعراق، والجزائر، عملت على تطوير الميثاق وأجهزة الجامعة، والعمل الاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن البعد الشعبي.
مندوب مصر الدائم لدى الجامعة العربية السفير طارق عادل أكد أن تلك القمة ستكون غير تقليدية نظرا للظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة العربية ، مشيرا إلى أن هناك العديد من القضايا الأساسية التي سيتضمنها مشروع جدول أعمال القمة خاصة في مقدمتها صيانة الأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة وهو موضوع مطروح بقوة على جدول أعمال القادة العرب إلى جانب القضية الفلسطينية وتطورات الوضع في ليبيا وسوريا. ونوَّه نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية إلى أن موضوع الأمن القومي العربي وسبل حمايته وتعزيزه، سيكون ضمن الموضوعات الرئيسية المطروحة على جدول أعمال القمة، الذي سيتضمن كذلك التباحث بشأن تطورات الأوضاع الإقليمية في المنطقة العربية .
الخروج بقوة إلى المحيط العربي لم يعد ترفا وجمع أشتات المنطقة على هدف واحد ألا وهو بناء نظام إقليمي تشارك فيه كل البلدان العربية بلا استثناء، وتصاغ من خلاله رؤية موحدة للعمل العربي ، بل هو ضرورة قصوى أكثر من أي وقت مضي، حيث التحديات الداخلية والخارجية التي أثقلت الجسد العربي .
وأمل في سريان تيار وعى جديد في العقل السياسي العربي،يترجم في صورة خطوات مدروسة واعية، لعلها تصلح ما أفسده الدهر وتطلق طاقات جديدة مثلما اعتادت أن تفعل عندما يحيق الخطر بأمتنا. ومن بواعث الشعور بالأمل كما يرى المحللين أن الدول المحورية في المنطقة العربية تعمل اليوم على ترتيب أوراق المرحلة بعد أن أيقنت خطورة حالة التمزق التي تسرى في بلاد الشام والعراق وليبيا واليمن وعن إدراك أن تلك الحالة ستخلف عواقب وخيمة على شعوب المنطقة ووحدة وسلامة أراضى دول شقيقة تصارع من أجل البقاء اليوم.
ومصر تعول على القمة العربية كثيراً وتريد أن تقدم من خلالها إلى العالم رسالة واضحة تقول إن تشخيص أمراض المنطقة يبدأ من هنا، وإن الشعوب والحكومات عليها أن تضع نصب أعينها عددا من الأهداف العاجلة في مقدمتها الوقوف صفا واحدا في مواجهة شيطان التطرف والعنف والدموية الذي هبط على أرض المنطقة يعيث فسادا وشرا وقبحا بما لا يمكن تحمله وما لا يمكن السكوت عن بقائه وأن من يسانده أو يدعمه لن يكون له مكان في العالم المتحضر ولن تقبله الشعوب الواعية بعد اليوم.
كما أن التحركات المصرية الحالية ترمى إلى تفعيل آليات التعاون الاقتصادي المشترك التي مازالت تراوح مكانها، فرغم كل الاستثمارات العربية «البينية» فإن العالم العربي مازال يفتقر إلى رؤية شاملة تضعه على خريطة التجمعات الاقتصادية الدولية حتى لو جاءت البداية بطيئة ولكنه بالتأكيد خير من ألا تأتى أبداً.
لابد أن ندرك أن علاج أمراض المنطقة من فقر وجهل وتطرف لن يأتي دون خلق حالة تكامل بين الدول العربية، تعلى من شأن التنمية الشاملة والإصلاح الاجتماعي والاقتصادي على أن تكون على قدر المساواة مع خطط المواجهة السياسية والعسكرية والأمنية لقوى الظلام الدامية التي تتغذى على احباطات عديدة.
ولعل التحركات السياسية والدبلوماسية المصرية الأخيرة تنبع أهميتها من وضوح الهدف النهائي من تلك الزيارات الرئاسية واستقبال الأشقاء من القادة العرب وكبار المسئولين في القاهرة حيث يريد الرئيس السيسى أن يوقف مسلسل التدهور في الوضع الأمني والإنساني العربي رغم تركيزه على استعادة قوة واستقرار الدولة المصرية في الداخل وهى المهمة التي تسير على نحو جيد ولا تختلف عن الهدف من التحركات على الصعيد العربي والإقليمي، فمصر هي نقطة الارتكاز في أي مشروع عربي وبدونها يصعب المضي في أي خطة طموح لتغيير الواقع المؤلم.
ونقطة البداية في التحرك المستقبلي أن نتوقف عن الأسلوب القديم في طرح المشكلات التي تهدد التعايش المشترك بين شعوب العالم العربي وان نصارح أنفسنا بطبيعة التهديدات دون مواربة أو خشية حسابات من هنا أو هناك. وما يدعو للتفاؤل أن العواصم العربية الكبرى تدرك خطر اللحظة الراهنة وتبدى استعدادا كبيرا للعمل المشترك الإيجابي.