خاص لـ ” بوابة الوطن المصري “من الجزائر
عملت الولايات المتحدة الأمريكية كعضو دائم في الأمم المتحدة يملك حق الفيتو من تسخير صلاحية الإرجاء لمصلحتها بشكل صارخ من أجل منح حصانة لأفراد قوات السلام التابعين لها حتى لا يتم مساءلتهم جنائيا أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهذا ما تجلى ظهريا عند طرح مجلس الأمن في 30 جوان 2002 قرار تجديد القوات الأممية في البوسنة و الهرسك حيث عارضت هذا القرار، وهددت بعدم مشاركة قواتها و إنهاء عمليات حفظ السلام في البوسنة والهرسك إذا لم يتم منح جنودها حصانة تحول دون مساءلتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية نتيجة لما اقترفوه من جرائم تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.
كما هددت الولايات المتحدة الأمريكية بسحب جميع قواتها العاملة في إطار قوات حفظ السلام المتواجدة في الصحراء الغربية و جورجيا وجنوب إفريقيا،و كذا عدم دفع الحصة المالية المقررة لهذه العمليات التي تساهم فيها بنسبة 25% مما ينذر بأزمة مالية حقيقية للأمم المتحدة، وخوفا من تنفيذ هذا التهديد انتهى الأمر برضوخ مجلس الأمن لمطالب الولايات المتحدة الأمريكية بإصدار قرار 1422 في 12 جويلية 2002،و الذي أكد فيه أنه تصرف بناء على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة و اتساقا مع المادة 16 من نظام روما الأساسي كما نص على امتناع المحكمة الجنائية الدولية الدائمة لمدة اثني عشر شهرا ابتداء من 1 جويلية 2002 عن بدء أو مباشرة أي إجراءات تحقيق أو مقاضاة في حالة إثارة أي قضية تشمل مسؤولين أو موظفين حاليين أو سابقين تابعين لدولة ليست طرفا في نظام المحكمة الجنائية الدولية، فيما يتعلق بأي عمل من العمليات التي تنشئها الأمم المتحدة أو تأذن بها إلا إذا قرر مجلس الأمن ما يخالف ذلك.
لقد جاء هذا القرار مخالفا لنص المادة 16 من نظام روما الأساسي التي تعطي لمجلس الأمن صلاحية إرجاء التحقيق في القضية المطروحة أمام المحكمة الجنائية الدولية لمدة إثني عشر شهرا شريطة استعمال هذه الصلاحية عند بدء التحقيق من قبل المدعي العام بإذن من الدائرة التمهيدية، و بالتالي لا يجوز لمجلس الأمن استعمال هذا الحق قبل البدء في التحقيق من أجل إعطاء حصانة مسبقة لمن قد يرتكبون جرائم تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية،كما أن استناده إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ليس صائبا لأنه لا توجد هناك حالة تهديد للسلم والأمن الدوليين.
وتخصيص قرار مجلس الأمن 1422 الصادر بتاريخ 12 جويلية 2002 فئة محددة من الأشخاص الذين يتمتعون بحق الحماية للإفلات من العقاب في حالة ارتكابهم جرائم دولية تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية يعد مخالفا لقاعدة آمرة في القانون الدولي، و التي تضمنتها المادة 27 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تقضي بعدم الدفع بالحصانة التي يتمتع بها الأفراد من أجل عدم مساءلتهم جنائيا عما اقترفوه من جرائم دولية نصت عليها المادة 5 من نظام روما الأساسي.
ورغم المعارضة الشديدة التي تلقاها هذا القرار فقد تم تجديده مرة أخرى بنفس الشروط، حيث قرر مجلس الأمن مواصلة العمل بقرار 1422 إثني عشر شهرا أخرى بموجب قرار 1487 الصادر في 12 جوان 2003، الذي وافقت عليه 12 دولة وامتنعت 3 دول عن التصويت.
وعليه فإن هذا التجديد يحمل في طياته خطر إضفاء المصداقية على تصور أن تكون هذه الإستثناءات دائمة، ولا يمكن لمظهر الديمومة هذا إلا أن يضعف المحكمة ويضر بسلطتها، و من الناحية الواقعية قرار منح الحصانة هذا ساهم في إعطاء ضمانة لجنود الغزو الأمريكي في العراق نتيجة للجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها مثل أحداث سجن (أبو غريب) الشهيرة وبالتالي لم يتم مساءلتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
ولا شك أن وجود الحصانة للقوات العسكرية لأي دولة يجعلها مطلقة اليد في إثارة النزاعات وانتهاكات حقوق الإنسان بفضاعة، وقد ثبت ذلك في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي حيث أكد تقرير غولدستون لسنة 2009 على أنه لم يتم مساءلة الجنود الإسرائيليين عما اقترفوه من جرائم في فلسطين لأن حصانة إسرائيل مستمدة من الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن للأمم المتحدة بإعتباره الوحيد الذي يملك سلطة إحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية، على أساس أن فلسطين في ذلك الوقت لم تكن طرفا فيها.
وبالتالي يبقى الفيتو الورقة الأهم في يد الولايات المتحدة الأمريكية بإعتبارها ليست عضوا في نظام روما الأساسي، ومن ثم فالمحكمة لا تستطيع تحريك دعوى ضد رعاياها إلا من خلال قناة وحيدة هي الإحالة من مجلس الأمن، وهذه الإحالة معدومة بالفيتو الأمريكي الذي يسعى لمنح حصانة للجنود التابعين للولايات المتحدة الأمريكية المنتشرين عبر العالم.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تقدمت بمشروع قرار 1497 المتعلق بتنظيم التدخل الدولي في ليبيريا ولكن الهدف الرئيسي من وراء هذا القرار هو منح الحصانة لجنودها وذلك حتى لا يتم مساءلتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، وقد اعتمد مجلس الأمن قرار 1497 في 01 أوت 2003 و الذي نص في الفقرة 07 منه على أنه ( يقـرر ألا يخضع أي مسـؤول أو موظـف حـالي أو سابق ينتمي لدولة مــن الدول المساهمة لا تكون طرفا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلا للولاية القضائية لتلك الدولة فيما يتعلق بأي تصرف أو إهمال يدعي وقوعه، ويكون ناجمـا عـن عمـل القوة المتعددة الجنسيات أو قوة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في ليبريا أو متصلا به، وذلـك ما لم تتنازل الدولة المساهمة صراحة عن تلك الولاية الخالصة.
ورغم أن هذا القرار لا يشير إلى أي دور خاص للولايات المتحدة بل بالعكس يركز على الدور الذي يجب أن تلعبه المجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا، ويطلب من الأمين العام للأمم المتحدة من اتخاذ الخطوات الضروريـة ممـا يشـمل تقـديم الدعم التعبوي لها، والقيـام مسـبقا بإيصـال مـا يلـزم لسـد الإحتياجـات مــن الأفــراد والدعم التعبوي لتسهيل التنفيذ السريع للعملية المرتقبة، ويطلب من الدول الأعضاء تأمين عاملين وأجهزة وغيرها من الموارد اللازمة للقوة المتعددة الجنسيات إلا أنه قد تم تبنيه بأغلبية 12 صوتا وامتناع ثلاث دول عن التصويت وهي ألمانيا وفرنسا والمكسيك بسبب تحفظهم على الفقرة 07 التي تعفي الأميركيين من ملاحقات القضاء الجنائي الدولي بشكل عام والمحكمة الجنائية الدولية خصوصا، وعبر سفراء الدول الثلاث عن أسفهم لأن نص القرار لم يطرح للتصويت كل فقرة على حدى ليعبروا بوضوح عن خيارهم لأن هذا الإجراء الإستثنائي لا يمكن أن يطبق بدون موافقة الدولة التي تقدمت بمشروع القرار.
وعليه يمكن قول أن القرار 1497 وإن كان الهدف من ورائه هو إنشاء قوة متعددة الجنسيات في ليبيريا لدعم المسـاعدة علـى كفالـة اسـتتباب الأمـن فيها نظرا للوضع المتأزم فيها، إلا أن الولايات المتحدة استغلت هذا الوضع الذي تمر به ليبيريا وتقدمت بمشروع قرار كان هدفه الأساسي هو تحقيق مصلحة خاصة لها تتمثل في منح حصانة لجنودها حتى لا يتم مقاضاتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية عما اقترفوه من جرائم .
نشير في الأخير أن القوة الإلزامية لقرارات مجلس الأمن تستمدها من مشروعيتها الناشئة من ميثاق الأمم المتحدة ، وعليه فإن قرارات مجلس الأمن بمنح حصانة لأفراد قوات حفظ السلام التابعين للولايات المتحدة جاءت مخالفة لنص المادة 105 من ميثاق الأمم المتحدة التي أعطت للجمعية العامة صلاحية عقد اتفاقيات متعلقة بمنح مندوبي وموظفي هيئة الأمم المتحدة حصانات وامتيازات لضمان استقلالهم لأداء وظائفهم على أكمل وجه، واستنادا إلى هذا فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة عليها عقد اتفاقية مع المحكمة الجنائية الدولية من أجل منح قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة حصانة تحول دون مساءلتهم جنائيا أمامها،و بالتالي يكون مجلس الأمن قد تعدى على صلاحيات الجمعية العامة بمنحه حصانات لرعايا الأمريكيين مما يجعل قراراته باطلة.
كاتبة التقرير محللة سياسية متخصصة في القانون الدولي والعلاقات الدولية