يشتكي المواطنون التونسيون اليهود من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد والتي تشمل قطاعات يمتهنونها مثل تجارة الذهب والسياحة، ولا يخفي بعضهم هاجسه الأمني في ظل تصاعد العمليات الارهابية في المنطقة.
انقطع الشاب اليهودي التونسي رافاييل إيليا (17 عاما) عن الدراسة والتحق بالعمل مع والده الذي يملك محل جزارة "كاشير" في جزيرة جربة بهدف التوفير، حيث يطمح للزواج في سن 22 عاما.
وقال رافاييل لـ DWعربية "كثير من أترابي فعلوا نفس الشيء، فالدراسة تتطلب سنوات طويلة وتكاليف، ونحن "عيّاش" (نعمل لنعيش) ملاحظا أن عددا من يواصل تعليمه العالي في فرنسا من بين أبناء اليهود التونسيين الأثرياء قليل.
ويعيش في جزيرة جربة التي يوجد فيها كنيس"الغريبة"وهوأقدم معبد يهودي في إفريقيا، أكثر من 1000 يهودي من مجموع 1500 مواطنا يهوديا في كل البلاد، يتوزعون أيضا على العاصمة تونس وسوسة وصفاقس وجرجيس وقابس.
"الأزمة" تعصف بتجارة الذهب
يعود الوجود اليهودي في جربة الى ما قبل ميلاد المسيح، وتعتبر صناعة الذهب والتجارة به من أهم أنشطتهم الاقتصادية. ومع تفاقم الأزمة الإقتصادية منذ ثورة 2011 وتدهور القدرة الشرائية للتونسيين، تضرر هذا القطاع أيضا، كما يؤكد التاجران مامو حاييم في جربة وحاييم حداد في جرجيس.
الأزمة شملت أيضا قطاع السياحة بشكل قوي، وهو أحد أعمدة الاقتصاد التونسي، خصوصا إثر مقتل 59 سائحا أجنبيا في هجوميْن استهدفا متحف "باردو" في العاصمة تونس وفندق "إمبريال" في سوسة عام 2015 ، وتبناهما تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي.
ويضيف مامو حاييم لـ DWعربية أن "السياح هم أهم زبائننا، كانوا يتوافدون بأعداد كبيرة على محلاتنا، وبسبب التراجع الحاد في أعدادهم عصفت الأزمة بالجميع". من جانبه يقول حاييم حدّاد لـ DWعربية إن رقم معاملاته "تراجع بأكثر من 50 بالمائة مقارنة بالسابق جراء تراجع مستوى المبيعات" وعزا ذلك إلى "تدهور القدرة الشرائية" للتونسيين.
ونفى حداد أن يكون أغلب يهود تونس من الأثرياء كما يعتقد العديد من الناس على نطاق واسع في البلاد. ويضيف في هذا السياق قائلا: "نحن عيّاشة (أي من الطبقة المتوسطة) كعموم المواطنين، وقد تأثرنا بغلاء المعيشة خاصة وأن نفقاتنا كثيرة بسبب كثرة أعيادنا الدينية ولأننا ننجب كثيرا من الأطفال لأن ديننا يحرم تحديد النسل، لذلك فقد تجد في عائلة واحدة 7 أو 8 أطفال".
وأضاف أن مواطنين تونسيين يهود "يسافرون إلى فرنسا من اجل العمل لتحسين أوضاعهم" مستدركا: "إن شاء الله الوضع يتحسن هنا ولا نخرج من تونس".
من جهته، أكد خُضِير حانْيا، القائم برعاية شؤون معبد الغريبة منذ أكثر من 20 عاما في لقائه مع DWعربية بأن "تدهور الوضع الاقتصادي في تونس يشغلنا فعلا" واعتبر أن الأزمة الحالية لقطاع السياحة في جزيرة جربة ''أسوء بكثير من أزمة 2002"، في إشارة إلى تعرّض كنيس الغريبة إلى هجوم انتحاري بشاحنة مفخخة يوم 11 أبريل/نيسان 2002، تبناه آنذاك تنظيم القاعدة، وأسفر عن مقتل 21 شخصا (14 ألمانيا و5 تونسيين وفرنسيين اثنين).
وأكد روجيه بيسموث رئيس الطائفة اليهودية في تونس لـ DWعربية أن المواطنين التونسيين اليهود الذين "ليس لهم عمل" يمرون بأوضاع "صعبة"، ملاحظا في نفس الوقت وجود تكفل باليهود المعوزين ومآوى للعاجزين منهم.
'عيش بشعور الحذر"
حسب استطلاع للرأي قامت به DW عربية، يعتبر شبان تونسيون يهود أن جزيرة جربة "أكثر مكان آمن لليهود في تونس وربما في العالم" ، كما يصرحرافاييل إيليا أن اليهود يعيشون هنا" في اطمئنان تام ويتنقلون مرتدين الكيبا (طاقية اليهود المتدينين) ويقومون بشعائرهم دون ادنى مشاكل، كما يرتادون نفس المدارس مع المسلمين ويتقاسمون معهم الحياة اليومية في سلام منذ قرون".
لكن "الأمر يختلف" خارج جزيرة جربة، خاصة في العاصمة تونس حيث "يعيش المواطنون اليهود في أمان لكن بشعور الحذر، كما يتفادون كل ما قد يثير الانتباه مثل ارتداء الكيبا"، حسب إفادة شاب يقطن في منطقة "لافاييت" (وسط العاصمة التونسية). وذكر الشاب الذي طلب عدم نشر اسمه أنه "بعد الثورة شعرنا بالخوف وخصوصا عام 2012 عندما خرجت جماعات سلفية متشددة من عقالها ورددت في مظاهرات بساحات عامة شعارات دعت فيها إلى قتل اليهود".
وذكر بأن سلفيين متشددين نادوا خلال زيارة إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إلى تونس في يناير/كانون الثاني 2012 بـ"سحق اليهود" وكرروا ذلك في فبراير/شباط 2012 خلال زيارة الداعية المصري وجدي غنيم، قبل أن يدعو شيخ سلفي في مارس/آذار 2012، خلال تظاهرة بشارع الحبيب بورقيبة الرئيسي وسط العاصمة، شباب البلاد إلى "التدرب" من أجل "قتال" اليهود.
ويضيف المتحدث قائلا: " ما يطمئن هو أن السلطات سارعت إلى التنديد بتلك الدعوات، حيث عززت الإجراءات الأمنية حول دور العبادة والمدارس اليهودية بمختلف أنحاء البلاد، كما لم يصب أي مواطن تونسي يهودي بأذى، رغم الاعمال الإرهابية التي عرفتها البلاد مع الإشارة الى تنصيص الدستور الجديد على المساواة بين المواطنين وعدم التمييز بينهم على اساس الدين أو العرق".
في يناير/كانون الثاني 2016 اضطر المواطن التونسي اليهودي جاكوب لولوش إلى غلق آخر مطعم يهودي في حلق الوادي (شمال العاصمة) بعدما أبلغته السلطات باحتمال استهداف مطعمه. وقال لولوش لـ DWعربية "أغلقت المطعم لأني لا أريد أن أخاطر بحياة من يعملون معي وزبائني"
وبحسب مسؤول أمني، فقد غادر تونس بعد الثورة بضعة عشرات المواطنين من اليهود التونسيين باتجاه اوروبا واسرائيل، مدفوعين اساسا بأعمال "تخويف" اطلقتها الحكومة ووسائل اعلام اسرائيلية، وملاحظا أن بعضهم عاد الى تونس "بعدما اتضح أن الاوضاع لم تكن في حجم التهويل المعلن عنه سابقا".