الأربعاء, 19 فبراير, 2025 , 9:20 م
أحمد تركي خبير الشئون العربية

العنصر البشري حجر الزاوية وأساس عملية التنمية في سلطنة عُمان

 

بقلم / أحمد تركي- خبير الشؤون العربية

جاءت استضافة سلطنة عُمان، النسخة الثانية من أعمال منتدى آيسف (ICEF) الشرق الأوسط للمنح الدراسية 2025، في 16 فبراير 2025 لتؤكد أنها ماضية في سبيل الارتقاء بالعنصر البشري باعتباره حجر الزاوية وأساس عملية التنمية ويتواءم مع متطلبات رؤية عُمان 2040 .
يهدف المنتدى إلى استعراض برامج الابتعاث والتأهيل والتدريب بما يتوافق مع الرؤى الوطنية في المنطقة، وبحث أهم فرص التبادل الطلابي والشراكات العلميّة والبحثيّة، وسُبل تعزيزها بين مؤسسات التعليم العالي الإقليميّة ونظيراتها العُمانية، واستعراض المؤشرات الدوليةّ ذات العلاقة بالتعليم العالي وبناء القدرات الوطنية.
يحظى المنتدى بمشاركة واسعة من المسؤولين والمعنيين وأصحاب القرار بدول مجلس التعاون الخليج العربية في قطاعات التعليم العالي، والعلوم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى مشاركة أكثر من 60 جامعة وهيئة عالمية ذات البرامج العلمية الرائدة، وبما يتماشى مع المهارات والتخصصات المطلوبة في الثورة الصناعية الرابعة.
يُتيح المنتدى الفرصة لبناء شراكات مستدامة بين الممولين الحكوميين والمؤسسات الأكاديمية التي تسعى لاستقطاب الطلبة الدوليين، وتعزيز التعاون بين الحكومات والجامعات الرائدة، وتشجيع المؤسسات الأكاديمية للحصول على الاعتراف من هيئات الاعتماد الدوليَّة، والتواصل مع صُنَّاع السياسات المهتمِّين بتطوير وتجويد برامج المنح الدراسية الدوليَّة.
والواقع ان المنتدى يمثل فرصة عظيمة للاطلاع على أحدث الممارسات العالمية في مجال التعليم العالي والعلوم التكنولوجية وتبادل الخبرات، وتتيح جلساته النقاشية فرصا للتعاون بين مؤسسات التعليم العالي في سلطنة عُمان ومؤتمر نافسا العالمي.
ولعل الثراء الأكبر للمنتدى هو ما تضمنه من عقد اجتماعات بين مسؤولين ومختصين من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في سلطنة عُمان، ومؤسسات حكومية محليَّة ودوليَّة، ومؤسسات تعليم عالٍ من داخل سلطنة عُمان وخارجها، وهيئات دولية معنية بالتعليم العالي.
اهتمام عُماني بتطوير الكفاءات الوطنية وتأهيلها
يعد بناء العنصر البشري وتطويره حجر الزاوية وأساس عملية التنمية في سلطنة عمان، فعلى مدار العقود الماضية تؤكد الحكومة دائما على ضرورة الاهتمام بالمورد البشري والارتقاء به، باعتباره الركيزة الأساسية في تنمية المجتمعات، والتي تنعكس بدورها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يعكسه اهتمام السلطان هيثم بن طارق وتأكيده الدائم في كل المحافل على أهمية تطوير الكفاءات الوطنية وتأهيلها، وعلى أنَّ الرؤية المستقبلية (عُمان 2040) تعتمد اعتمادا رئيسيا على العنصر البشري.
واستمرارًا لاهتمامه بتطوير الكفاءات الوطنية أقر مجلس الوزراء تعزيز برنامج الابتعاث الخارجي للأعوام (2023 – 2027م) باستحداث برنامج يستهدف إعداد خريجين قادرين على القيام بأدوار ريادية في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وذلك من خلال ابتعاثهم للدراسة في تخصصات المستقبل النوعية وفي أفضل الجامعات العالمية بلغت (150) بعثة، على مدى خمس سنوات بدءًا من هذا العام وبتكلفة إجمالية تصل إلى (36) مليون ريال عُماني.
وإيمانًا من السلطان هيثم بن طارق،سلطان عُمان، بأهمية تطوير الموارد البشرية في القطاعين العام والخاص، والمواءمةً مع متطلبات رؤية عُمان 2040 التي ترنو إلى إعداد الكوادر العمانية وتدريبها لتعزيز آفاق الاقتصاد العُماني ورفده بالقيادات المُمّكنة والكفاءات الوطنية، يأتي تأسيس الأكاديمية السُّلطانية للإدارة وفقاً للمرسوم السلطاني ٢ /٢٠٢٢ وذلك سعيًا إلى بناء جهاز إداري مبتكر وصانع للمستقبل ومولّد للفرص، يهدف إلى تطوير القيادات الوطنية بمختلف مستوياتها الإدارية وتمكينها وفق المنهجيات الإدارية الحديثة.
مشروع المنظومة الوطنية لبناء القدرات وإدارة المواهب
ومن منطلق أهمية تأهيل الكفاءات أطلقت وزارة العمل في عام 2021 مشروع المنظومة الوطنية لبناء القدرات وإدارة المواهب، بهدف تعزيز إمكانيات أبناء الوطن وفتح آفاق رحبة تسهم في تجويد العمل وتحقيق رضا المواطنين والمقيمين.
ويأتي هذا المشروع الوطني ضمن اهتمام وزارة العمل ببناء قدرات الموظفين ورواد الأعمال والباحثين عن عمل والاهتمام بالموهوبين، وتوفير بيئة تتلاءم مع ما يمتلكونه من مواهب وإمكانيات، والإسهام في تحقيق الاستمرارية والاستدامة في الوظائف التنموية التي تقوم بها المؤسسة، وذلك من خلال تقديم البرامج التنموية والتدريبية الفعالة والتي تقدم فائدة حقيقية وواقعية للفئات المستهدفة من الموظفين في القطاعين الحكومي والخاص والباحثين عن عمل والموهوبين، الأمر الذي يمكنهم من معرفة وصقل مهاراتهم وقدراتهم، وبالتالي ينعكس إيجابا على أدائهم الحالي والمستقبلي كونهم المخرجات التي يستمر تأثيرها للمستقبل.
وجاءت فكرة المنظومة من منطلق رؤية وزارة العمل لتنفيذ برامج استراتيجية متنوعة لتكون ضمن الخطة الخمسية العاشرة 2021- 2025 المتعلقة بالتوجه الاستراتيجي الوطني الذي يهدف إلى تحقيق تعليم شامل ومستدام، وبحث علمي يحقق مجتمعا معرفيا وقدرات وطنية منافسة، وبناء القدرات الوطنية والمواهب وتطويرها وتمكينها هي المحركات الأساسية للتنمية البشرية والركائز الأساسية التي تؤدي إلى الارتقاء بخصائص الموارد البشرية وتحسين كفاءتها المهنية والإنتاجية وتحسين مستوى أداء العمل، تحقيقا لرؤية عمان 2040 ولتكون عمان في مصاف الدول المتقدمة.
وسعيا إلى بناء قدرات وكفاءات رقمية، أطلقت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات المبادرة الوطنية للكفاءات الرقمية (مكين) في سبتمبر 2022م بوصفها جزءا من مبادرات البرنامج التنفيذي للصناعة الرقمية في البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي، وهي مبادرة تعنى بتأهيل الشباب العماني بالمهارات الرقمية الحديثة الأكثر طلباً في سوق العمل.
كما تسعى المبادرة إلى توفير فرص مولدة للدخل للشباب العماني في القطاع الرقمي بحلول 2025م كونها من مستهدفات الوزارة في الخطة الخمسية العاشرة.
وتعمل (مكين) بالشراكة مع مجموعة من المؤسسات التعليمية والتدريبية المحلية والدولية الرائدة في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، وتقوم المبادرة بالتعاون مع الشركات والمؤسسات الرائدة في القطاع بتأهيل 10 آلاف عماني بالمهارات الرقمية بحلول 2025م، وهو ما سيسهم في رفد سوق العمل بكفاءات وطنية تتناسب مع التجدد المتسارع في بيئة الأعمال والحاجة المتزايدة للكفاءات التقنية.
وليس من قبيل المصادفة أن تنتهج وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بسلطنة عُمان، سياسة عامة متعددة الأوجه تهدف إلى النهوض بالتعليم العالي، وتعزيز البحث العلمي والابتكار، وتعزيز فرص التدريب المهني، وإنما جاءت تتويجاً لإستراتيجية عمان في بناء البشر قبل الحجر وذلك من خلال جودة التعليم العالي، وتعزيز الوصول العادل إلى فرص التعليم والتدريب المهني، والمواءمة مع تطورات التعليم واحتياجات سوق العمل، وتشجيع البحث العلمي والابتكار.
وفي هذا السياق طرحت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في عُمان، برامج وتخصصات حديثة في السنوات الثلاث الماضية منها علوم المختبرات الطبية، وهندسة الطاقة، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وتحليل البيانات، والواقع المعزز والافتراضي، والروبوت والأنظمة الذكية، بالإضافة إلى الابتعاث إلى كلية الدقم والتي تتضمن مجالين معرفيين هما: الإدارة والمعاملات التجارية (تخصص الإدارة اللوجستية)، والعمارة والإنشاء (تخصص بيئة التشييد) والتي ستستقبل أولى دفعاته بالعام الأكاديمي (2025-2026م).
تعمل الاستراتيجية العمانية في التعليم على الابتعاث الخارجي في التخصصات التي يحتاجها سوق العمل في عُمان، وقد وضعت للابتعاث الخارجي عدة معايير من أهمها: السمعة الأكاديمية الجيدة للمؤسسات التعليمية، والتمتع بجودة تعليم عالية.
وبلغ عدد مقاعد البعثات الخارجية في آخر عامين دراسيين (550) مقعدًا دراسيًّا في كل عام، إضافة إلى المنح التي تحصل عليها عمان من مختلف الدول ومؤسسات التعليم العالي الأجنبية التي تبتعث إليها؛ حيث شهد العام الأكاديمي 2023-2024 ارتفاعًا في عدد المنح الخارجية المقدمة ليبلغ (535) منحة مقارنة مع (312) في العام الأكاديمي 2021-2022م.
وثمة زيادة في معدلات الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي من خلال تعزيز التعاون الثنائي مع عدة دول، منها تخصيص (206) منح دراسية سنوية للدراسة في المؤسسات التعليمية بالسعودية، و(50) منحة دراسية سنويًّا بالمجر، و( 22 ) منحة دراسية سنويًّا بفرنسا.
فضلاً عن أن هناك ثلاث مؤسسات تعليم عالٍ خاصة بسلطنة عُمان تحصل لأول مرة على عدد من المنح الدراسية بتمويل من برنامج التبادل الطلابي “إيراسموس بلس” لدول الاتحاد الأوروبي، وهي جامعة البريمي والجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عُمان، وجامعة ظفار.
إجمالاً، يمكن القول أن عُمان تسير وفق رؤية مستقبلية 2040، من أجل بناء وتطوير الكفاءات الوطنية وفتح مجالات أرحب للتعاون مع مختلف دول العالم في مجالات التعليم والتدريب، بما يعزز الأهداف الوطنية العُمانية للدخول لمصاف الدول المتقدمة عبر مختلف المجالات التقنية والتكنولوجية.

اترك رد

%d