الجمعة, 24 يناير, 2025 , 9:46 م
د. هشام محفوظ

من الحياة .. المثالية المزيفة والهروب إلي البساطة

بقلم د.هشام محفوظ  

  الحياة تخبئ في ظلالها حكايات تتجاوز ظنون البشر وتفاصيلهم السطحية، و من هنا فأنا أدرك أن الإنسان في ضعفه يظل أسيرًا لتلك الوجوه التي تهب الحياة طيفًا من الأمل حتى وإن بدا كسرابٍ عابر.

أستأذن القارئ العزيز في تعمق هذا الحديث النفسي لفتاة عربية تعيش مع أسرتها في أوربا..

سألت الفتاة نفسها في لحظة بوح وهي بين الثلوج :

لماذا لا أسافر إلى بلاد عربية؟

يتكرر هذا السؤال كثيرًا:

 لماذا لا تفضلين السفر إلى بلاد عربية؟

هل لأن طبيعتها أقل جمالًا من أوروبا؟

لا، ليس هذا السبب.

هل لأن أجواءها حارة بينما أنا عاشقة للبرد؟

لا، ليس كذلك أيضًا.

ربما لأنها تفتقر إلى متاجر التسوق العالمية التي تنافس أوروبا وأمريكا؟

لا أبدًا.

إذن، ما هو السبب؟

الجواب ببساطة أنني أسافر لأهرب إلى البساطة…

أبحث عن الأماكن التي تنبض بالحياة الحقيقية.

أحب الجلوس في حديقة صغيرة عند زاوية شارع، أو قرب نافورة، أو حتى على درجٍ عتيق. أحب أن أشاهد الناس حولي يستمتعون بأبسط الأشياء بلا تكلّف، بلا هوس بالمظاهر.

أسافر لأرى بشرًا عاديين، حياتهم خالية من الفروقات الفجّة.

الناس هناك تركب الحافلات بملابسها الرسمية أو الكاجوال دون أن يشير ذلك إلى غناهم أو فقرهم.

من يتسوّق في المتاجر البسيطة ليس أقل شأنًا ممن يزور أرقى البوتيكات.

أبحث عن الوجوه الحقيقية، عن الابتسامات التي لم تفسدها حقن الفيلر أو البوتوكس.

أبحث عن العفوية… عن مذيعة أخبار تظهر على الشاشة بضفيرة بسيطة وشعرٍ غير مصفف، لكنها تحمل من الجمال الطبيعي ما يغنيها عن كل شيء.

أما هنا، فتطاردنا المثالية المزيفة. كل شيء مصطنع ومبالغ فيه. فتح تطبيقًا عشوائيًا مثل تيك توك كافٍ ليُغرقني في تلوث بصري وسمعي يصعب احتماله.

هناك، لا أحد يبالي إن كنت تحمل هاتفًا قديمًا طالما أنه يؤدي وظيفته.

لا تجد هوسًا بامتلاك الأشياء؛ لا تكديس للهواتف ولا تفاخر بالسيارات.

الأهم هو أن تحيا ببساطة، أن تعيش كما أنت، بلا ضغوط، بلا تكلف.

أكتب هذه الكلمات وأنا أعلم أنها قد تبدو قاسية، لكنها واقع.

البساطة… تلك التي أبحث عنها دائمًا، لم أعد أجدها هنا.

اترك رد

%d