السبت, 18 مايو, 2024 , 12:36 م
المستشار هانئ النقراشي

ما هو التوقيت الشتوي؟

بقلم – المستشار هانئ محمود النقراشي
لا يوجد ما يسمى “توقيت شتوي” لأن هذا هو التوقيت الطبيعي ودخل عليه “التوقيت الصيفي” لإطالة فترة سطوع الشمس بعد ساعات العمل وهذه، في كثير من الأحوال، تنتهي في الساعة ٤ إلى ٦ مساء، وهذا يتيح فسحة من الوقت لنشاط اجتماعي يضم كل أفراد الأسرة فيتمتع الشباب بفترة أطول للاستحمام في البحر أو في حمام السباحة ويتمتع الآباء والأمهات بالتنزه مع أولادهم بعد العمل وكذلك بعد انتهاء فترة الدراسة للأبناء.
ومع تطبيق هذا النظام في دول أوروبا وجد قبولا اجتماعيا واسعا بسبب إطالة الفترة الزمنية التي تسمح بالنشاط خارج المسكن، أي في الهواء الطلق، يضاف إلى ذلك التمتع برؤية غروب الشمس، حيث أن رؤية الغروب في أوروبا تختلف من يوم لآخر بسبب اختلاف السحب بين كثافتها وتنوّع أشكالها فترسم كل يوم لوحة فنية مختلفة.
في أعقاب حرب العبور المجيدة ٦ أكتوبر ١٩٧٣ (ونحن نحتفل هذه الأيام بمرور ٥٠ سنة على إطلاق أول قذيفة مدفع مصري تدمر الحاجز المنيع الذي سموه بارليف) وما تلاها من ارتفاع مدهش لأسعار كل الطاقات الحفرية، إذ طال هذا الارتفاع بجانب النفط والغاز الأرضي (وذلك يمكن تفسيره بأن المُصدّرين الرئيسيين لهما كانت الدول العربية) ولكن ارتفاع الأسعار أصاب أيضا الفحم وخام اليورانيوم. وبالتالي انتقلت العدوى إلى أسعار الكهرباء، خاصة في أوروبا لاعتمادها بدرجة كبيرة على استيراد الوقود الحفري لإنتاج كهربائها.

هنا بحث الساسة الأوروبيون عن وسائل أخرى للاقتصاد في استهلاك الوقود بجانب الإجراء الذي اختاروه أولا وهو منع السيارات والشاحنات من السير أيام الأحد، والذي سبب ضيقا شديدا في كل طبقات المجتمع الأوروبي، فهداهم تفكيرهم بعد دراسة لاستهلاك الكهرباء في المساكن والمصانع ووسائل النقل (أغلب القطارات تسير بالكهرباء)، إلى أن الإضاءة تستهلك قسطا لابأس به – خاصة أن المصابيح الكهربائية (لمبة) كانت من النوع المتوهج الذي يستهلك قدرا كبيرا من الكهرباء – فلم تكن لمبات الليد متاحة تجاريا وقتها – وكان الأوروبيون يرحبون بالحرارة التي تشعها هذه اللمبات المتوهجة خاصة في فصل الشتاء لأنها تُضيف إلى تدفئة المسكن. وبعد دراسة عادات سكانهم، استقروا في سنة ١٩٨٠على تقديم كل ساعات الاتحاد الأوروبي ٦٠ دقيقة في مبدأ الصيف – وسموه التوقيت الصيفي – ثم العودة إلى التوقيت الطبيعي في مبدأ الشتاء. وتحققت توقعات دراساتهم – خاصة أن في ذلك الوقت كانت أجهزة التكييف قليلة جدا في أوروبا – إذ انخفض استهلاك الكهرباء بنسبة ضئيلة تعطي نوعا من الواقعية لهذا الإجراء الذي يسبب بهجة لسكان المدن وضيقا لسكان الأرياف الذين يجب عليهم الحفاظ على أوقات حلب الأبقار، حيث أنهم لم يتوصلوا بعد لوسيلة تقنع الأبقار بتقديم أو تأخير توقيت الحليب ….
استنادا على الدراسات الأوروبية – ونظرا لتشابه نمط استهلاك الكهرباء في ذلك الوقت (إضاءة بالمصابيح المتوهجة وقليل من أجهزة التكييف) – أخذت الحكومة المصرية بفكرة التوقيت الصيفي قبيل اكتشاف حقول الغاز في الدلتا.
وكانت النتائج قريبة من المتوقع.
ولكن بعد ثورتين شعبيتين ثم استقرار الأمن (وهذا بفضل الله أولا ثم بحكمة رئيسنا ثانيا) تزايد عدد أجهزة التكييف في المكاتب والمساكن والمتاجر، وهذا مؤشر للرخاء الذي يعم الجميع ولا يختص شريحة من المجتمع. وفي نفس التوقيت انتشرت لمبات الليد التي تستهلك ١٥٪ فقط من استهلاك المصابيح المتوهجة، وهذا مؤشر واضح بوعي الشعب بكل طوائفه بالحد من استهلاك الكهرباء.
إذن نتائج دراسات الماضي لا تنطبق على الحاضر.
خاصة أن وعي الشعب المصري اليوم يلعب دورا لم يكن له وجود قبل حرب العبور المجيدة لأن الشعور بترابط المصير حفّز الجميع للعمل المشترك في تخطي الأزمات. وإحدى نتائج هذا العمل المشترك هي خفض استهلاك الكهرباء بمقدار كاف لتمكين الامداد المستمر دون انقطاعات.

وما هو الحل الذي نتصوره في المستقبل لتفادي انقطاع الكهرباء ؟

الحل يجب أن يتحاشى استخدام الطاقات الحفرية لأن كثير منها مستورد وهي تكلف مالا حتي لو كان مصدرها من أرض الكنانة.
يبقى حل واحد هو “خميسة” لتأمين الكهرباء من أشعة مصر الذهبية وبتكلفة أقل من حرق الوقود.

اترك رد

%d