من يمارس العمل العام ، يتعرض للكثير من سهام النقد والهجوم المبرر وغير المبرر ، ولأنه يؤمن بقضيته ويمتلك أدواته فإن هذا النقد أو الهجوم لن يثنيه عن استكمال ما بدأه من مشوار ، لا سيما اذا كانت قضيته هي قضية وطن .
من هنا نبدأ هذا المقال الذي رأينا أنه ضروري في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها الدولة المصرية ولوضع الأمور في نصابها الصحيح .
أما موضوع المقال فهو عن المصريين في الخارج والدولة المصرية ، لقد كثرت في الآونة الأخيرة وتحديدا منذ انعقاد مؤتمر المصريين في الخارج الأخير نبرة «تعالي» – ان لم يخونني التعبير – .. تعالي من من ؟ من بعض المصريين في الخارج الذين ادعوا أنهم أصحاب فضل علي مصر وأنهم هم من يحملون هموم الوطن دون غيرهم ، وأنهم ضحوا كثيرا من أجل مصر وهم يعيشون في الخارج ، وأن تحويلاتهم هي التي تساهم في اطعام المصريين وتوفر لهم سبل الحياة وأنهم وأنهم وأنهم ……. الي أخر قاموس التطاول علي الوطن الذي كان يأويهم .
حقيقة كنت لا أود أن اتطرق لهذا الموضوع لما فيه من حساسية ولكن ولثقتي في أن عدد كبير من القامات المصرية في الخارج يعلمون جيدا من هو كاتب هذه السطور وأيدلوجيته وانتمائه .. هذا ما شجعني علي اقتحام هذا اللغم المتمثل في السؤال الصعب وهو ( من صاحب الفضل علي مصر ) ؟ .. الحقيقة لا أحد سواء المصريين المقيمين في الخارج أو المواطنين بالداخل صاحب فضل علي هذه الدولة أيا كان منصبه أو مكانته .. مصر هي صاحبة الفضل علي الجميع .. وخيرها علي الجميع بلا استثناء .
لقد تعالت كثيرا نبرات ( احنا اللي بنساعد مصر .. واحنا اللي شايلين همها ..واحنا اللي بندعمها.. واحنا اللي بندافع عنها في الخارج …… ) ونسي هؤلاء أن مصر هي التي احتضنتهم وهم في المهد .. درسوا في مدارسها وجامعاتها المجانية .. احتموا بجدرانها البالية من الشتاء القارص ، ومن درجة الحرارة الملتهبة .. تربوا علي الأكل المدعم حتي شبوا فتيانا أقوياء في ريعان الشباب ثم غادروا مصر إلي الخارج ليبدأو حياة العمل وجمع المال .
( يعني بلدك اللي انت دلوقتي بتقول أنا صاحب فضل عليها وبحولها عملة أجنبية وبساعدها هي اللي كبرتك وعلمتك وأهلتك لتكون عنصرا نافعا في المجتمع وسافرت للخارج لتعمل وتربح وعندما تحتاج إليك مصر وهي في ظروف صعبة تتمنع وترفض وحتي من يساهم ولو بالقليل يعتبر ذلك من قبيل المنّة والتفضل منه علي مصر .
مصر لا تحتاج منّة من أحد حتي من فلذات أكبادها الذين يعايرونها اليوم بأنهم يأتون إليها بالعملة الصعبة وعلي المسئولين أن يفرشون لهم الأرض بالورود وهم يزورون مصر .
والله ان في القلب غصة .
جميعنا أهدر كرامة مصر – الا من رحم ربي – المصريين في الخارج الذين يمنّون علي بلدهم ويستكثرون مساعدتها في محنتها ، والمسئولين في الداخل الذين لم يراعوا الله في وطنهم وبعضهم استحل الحرام وفضل مصلحة الشخصية علي مصلحة البلاد .. كلانا مذنب في حق هذا الوطن .. يستوي في ذلك من تقاعس عن دعم وطنه مع من استحل أموال هذا الشعب وتاجر في الحرام وراح يرقص علي أشلاء وطن
ولكن مصر لن تموت ولن تتحول إلي أشلاء .. مصر تمرض ولكنها لن تموت
ونقول لمن قال أن المصريين في الخارج هم الذين يحملون همها ويعانون من أجلها وهو بالمناسبة صديق عزيز .. أقول له لقد جانبك الصواب .. من يعاني حقيقة ويتسلح بالصبر هم المواطنين الذين يعيشون في الداخل .. الذين انهكتهم الأسعار الجنونية والدخول والرواتب المتدنية ، الذين يتحملون مسئولية عائلة وأبناء وتوفير مستلزماتهم مع ضآلة ما يحصلون عليه من أجور .
انتم أكبر مستفيد من عمليات التعويم وانهيار الجنيه المصري لأنكم تحصلون علي رواتبكم بالدولار واليورو ، فمن اذن يعاني أنتم أم هم ؟ من الذي يصبر علي الابتلاء والظروف الصعبة .. أنتم أم هم ؟ .. من الذي يدفع أكثر من 60% من راتبه ضرائب .. أنتم أم هم ؟ من الذي يشتري أرجل الدجاج لإطعام أولاده أنتم أم هم ؟ من الذي يشتهي اطعام أولاده لحما ولا يجد .. أنتم أم هم ؟ من الذي يعاني أصحاب الدولارات واليورهات أم أصحاب الحذاء الممزق والعيش الحاف ؟ .. في أوروبا أفقر مصري يقيم هناك ولا يعمل يحصل علي دعما شهريا من الشئون الاجتماعية يساوي دخل 10 موظفين يعملون في مصر .. فمن الذي يعاني أنتم أم هم ؟
نحن لا ننكر مطلقا أن من يعمل أو يقيم بالخارج يكد ويتعب من أجل الحصول علي الأموال .. هذا حقه وحق أولاده ولكن اعتراضنا علي مقولة أن مصريي الخارج هم من يعانون من أجل الوطن .
وكم من الشعارات تنسج تحت شعار الوطن والوطنية .
بالتأكيد ليس كل مصريي الخارج من هذا الصنف بل هناك عدد كبير من المصريين في الخارج لا يتحدثون عما يفعلونه لوطنهم ولإخوانهم في مصر وأعرف عدد ليس بالقليل منهم وما يقومون به لخدمة أبناء مصر في الداخل والمساعدات التي يرسلونها من ألمانيا ، وهولندا والكويت والنرويج وفرنسا وغيرها ، ولن أذكر أسمائهم حتي يحصلون علي الثواب كاملا من الله .
أرجوكم .. مصر تحتاج لوحدة الصف والتلاحم وليس اطلاق شعارات لا تثمن ولا تغني من جوع .
أموال الدنيا لا تساوي حبة رمل من رمال الوطن ولا حفنة من ترابها الطاهر وأنتم أكثر من يعلمون ذلك لأنكم تغربتم عنها ، فهل الشوق إلي مصر هو اهانتها والمّن عليها بدولارات لا تساوي كاسين في بار ( عم يني ) .