«المركزي» يستثني فئات من قرارات توفير العملة ..ويلاحق «المحتالين» تجار الأزمات
ضوابط صارمة لاستخدام البطاقات الائتمانية والخصم وتدبير العملة لأغراض السفر
«المركزي» يؤكد قوة وصلابة القطاع المصرفي وقدرته على تحمل الصدمات
تقرير – خالد عبد الحميد
طوي العالم والشعب المصري منذ ساعات قليلة عام مضي 2022، واستقبل المصريون عام جديد 2023 مع دعوات الملايين أن يكون عام انفراج الأزمات الاقتصادية التي عاني منها المواطنين طوال العام المنقضي .
ومع صدور أول عدد من الأموال في العام الجديد كان لابد أن نرصد دور البنك المركزي المصري في مواجهة الأزمات التي ضربت البلاد في 2022 .
شهد القطاع المصرفي في العام المنقضي تحديات جسيمة استلزمت اتخاذ قرارات وتدابير استثنائية لمواجهة الأزمات الاقتصادية التي ضربت البلاد ومنها الاستيراد ، وأزمة توفير الدولار ، وارتفاع الأسعار ، والأزمة الروسية الأوكرانية .
ولولا تدخل البنك المركزي لتفاقمت تلك الأزمات ولأصبحنا في وضع اقتصادي صعب .
وعلينا قبل الخوض في أهم القرارات والتدابير التي اتخذها القطاع المصرفي قي العام المنقضي أن نتطرق في البداية لحدث مهم شهده القطاع وهو استقالة محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر في أغسطس الماضي
بعد حوالي سبع سنوات قضاها محافظا للبنك المركزي، ليتم تعيينه مستشارا للرئيس عبد الفتاح السياسي.
نجح عامر خلال السنوات السبع الماضية في العبور بمعاونة قيادات البنك المركزي في المساهمة في مواجهة العديد من الأزمات ودعم الاقتصاد المصري
ترك طارق عامر منصبه قبل 15 شهرًا من انتهاء مدة ولايته الثانية ، وخلال السنوات السبع صدرت عدة قرارات مصيرية أبرزها تحرير سعر صرف الجنيه في 3 نوفمبر 2016ضمن خطة للإصلاح النقدي والمالي متفق عليها مع صندوق النقد الدولي، مما أدى إلى انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار بنسبة تجاوزت 50%، ورفع سعر الفائدة 3% لمواجهة التضخم العالمي والحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى إطلاق مبادرات لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتمويل العقاري.
لقد أطلق “عامر” عددًا من المبادرات الإيجابية أثناء فترة وجوده علي رأس القطاع المصرفي، منها تحمل تداعيات تحرير سعر صرف الجنيه في عام 2016، وخفض سعر الفائدة من 20% في عام 2017 إلى أقل من 12%، وزيادة الاحتياطي النقدي ليصل إلى أعلى مستوى وإنجاز المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وشهدت مصر بالفعل في مايو الماضي أكبر زيادة لسعر الفائدة خلال نحو نصف عقد، كواحدة من خطوات عديدة قام بها البنك المركزي لاحتواء تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصري، فقد أدت الحرب إلى ارتفاع صاروخي في أسعار القمح والوقود وهو ما أضر كثيرا بالاقتصاد المصري نظرا لاعتماد مصر على القمح المستورد في تغطية نحو نصف احتياجاتها ، كما تضرر قطاع السياحة بهذه الحرب وهو ما أدى إلى خروج نحو 20 مليار دولار من الاقتصاد المصري، مما أدى إلى زيادة الضغوط على الجنيه.
وفي أغسطس الماضي تم تعيين حسن عبد الله محافظاً للبنك المركزي المصري خلفا لطارق عامر لاستكمال مسيرة البنك المركزي وقيادة القطاع المصرفي في هذا التوقيت الصعب
حسن عبد الله، وحاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية عام 1982، وفي نفس العام، بدأ عمله في البنك العربي الأفريقي الدولي، وتنقّل في تخصصات مصرفية مختلفة.
وفي العام 1988 انتقل إلى فرع البنك بمدينة نيويورك ليدير محفظة الخزانة وسياسات التحوط، واستمر لمدة عام قبل أن يعود للقاهرة. وفي عام 1994 تم ترقيته لمنصب مساعد المدير العام، وفي 1999 تولّى منصب المدير العام للبنك، واستمر حتى العام 2002 حينما صدر قرار بتعيينه نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب.
ومنذ قدوم حسن عبد الله محافظاً للبنك المركزي تم اتخاذ العديد من الإجراءات للحد من تسلل العملة الصعبة للخارج في ظل تراجع احتياطي النقد الأجنبي في البلاد.
ومن بين هذه الإجراءات قيام بنكا «الأهلي المصري» و«مصر» أكبر بنكين حكوميين في مصر ،بمضاعفة العائد على الشهادات الدولارية ليتجاوز 5%، بعدما كان 2.25%. كما بدأت البنوك المصرية في تحديد السقف الشهري للسحب بالدولار الأمريكي من أجهزة الصرف الآلي بالخارج ليصل في بعض الحسابات إلى 500 دولار شهريا.
وجاءت هذه الإجراءات في وقت يتراجع فيه الاحتياطي المصري من العملة الأجنبية، حيث سجل الاحتياطي النقدي في سبتمبر 33.1 مليار دولار، مقابل نحو 45 مليار دولار في فبراير
عدد من الخبراء أكد أن هذا التشدد في حدود السحب هو محاولة للحفاظ على العملة الصعبة بالحد من سحب الدولار من البلاد إلى الخارج وهو إجراء يشبه ما اتخذته الحكومة بعد عملية التعويم الكبيرة التي قامت بها في عام 2016.
في ظل اكتشاف تلاعبا من قبل البعض بالصرف النقدي للدولار في الخارج والاستفادة من سعره في الداخل، في محاولة لفتح أسواق سوداء بديلة للبنوك لتوفير الدولار في الأسواق في ظل أزمة دولارية، وهو الأمر الذي يبرر القرار بحدود السحب .
ومؤخرا أعلن البنك المركزي المصري، عن ضوابط استخدام البطاقات الائتمانية وبطاقات الخصم وتدبير العملة لأغراض السفر للخارج.
وأشار « المركزي» في بيان له إلى ما تلاحظ من وجود استخدامات لبعض البطاقات الائتمانية وبطاقات الخصم المباشر في عمليات خارج مصرعلى الرغم من تواجد العملاء حائزي هذه البطاقات داخل البلاد، وكذا، بالإضافة إلى تدبير العملة لبعض العملاء بغرض السفر للخارج والذين يتضح لاحقاً إساءة استخدام تلك البطاقات عدم مغادرتهم للبلاد.
ونبه علي البنوك بضرورة إخطار العملاء بأي من وسائل الاتصال بأنه يُحظر إساءة استخدام البطاقات الائتمانية وبطاقات الخصم المباشر العملاء الذين لا يغادرون البلاد ، وكذا يُحظر طلب تدبير العملة لأغراض السفر للخارج دون مغادرة البلاد، كما يتعين مراجعة عينة من استخدامات تلك البطاقات، والتي تمت خارج البلاد، وكذا طلبات تدبير العملة لأغراض السفر منذ الأول من ديسمبر 2022، وفي حال تلاحظ وجود استخدامات متكررة بشكل متزايد بما يتنافَى مع طبيعة خاصةً استخدامات العميل، وبما يشير إلى الشك في إساءة استخدام العميل للبطاقة أو العملة التي تم تدبيرها في حالة توافر مؤشرات على عدم مغادرة العميل للبلاد، يتعين على البنوك موافاة الإدارة المركزية لتجميع مخاطر الائتمان بالبنك المركزي ببيانات كاملة عن هؤلاء العملاء، وكذا أية حالات أخرى تظهر في مثل هذا القبيل وذلك حتى يتسنّى للبنك المركزي اتخاذ اللازم مع الجهات المعنية للتحقق من قيام العميل بالسفر من عدمه.
وفي تطور لاحق قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي في 22 ديسمبر 2022 رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 16.25٪، 17.25٪ و16.75٪، على الترتيب. كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 16.75٪.
وقد تأثر معدل التضخم في نوفمبر 2022 بانخفاض قيمة الجنيه المصري خلال أكتوبر 2022 وكذا زيادة المعروض النقدي، بالإضافة إلى استمرار الآثار السلبية الناجمة عن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
وقد جاء معدل التضخم السنوي للسلع الغذائية مدفوعاً بشكل أساسي بارتفاع معدل التضخم للسلع الغذائية الأساسية منذ بداية عام 2022. وبالإضافة إلى ذلك، جاء ارتفاع معدل تضخم الخدمات منذ بداية عام 2022 مدفوعاً بارتفاع اسعار خدمات المقاهي والمطاعم بشكل أساسي، في حين شهدت بنود مجموعة السلع الاستهلاكية خلال نفس الفترة ارتفاعاً واسع النطاق. ونتيجة لتلك التطورات، بات من المتوقع أن يتخطى المعدل السنوي للتضخم العام في الحضر مستواه المستهدف والمعلن عنه مسبقاً من قبل البنك المركزي والبالغ 7٪±) 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022.
وتشير لجنة السياسة النقدية الي تزايد الضغوط التضخمية من جانب الطلب في الآونة الأخيرة، وهو ما انعكس في تطور النشاط الاقتصادي الحقيقي مقارنة بالطاقة الإنتاجية القصوى، وفي ارتفاع أسعار العديد من بنود الرقم القياسي لأسعار المستهلكين، وفي زيادة معدلات نمو السيولة المحلية. وتأكيداً على التزام البنك المركزي بتحقيق استقرار الأسعار على المدى المتوسط، وبالتوازي مع اعلان البنك المركزي سابقاً عن استهداف معدلات تضخم على مسار نزولي، فقد تم تحديد معدلات التضخم المستهدفة خلال الفترة القادمة عند مستوى 7٪±) 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024، ومستوى 5٪±) 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2026.
وفى ضوء ما سبق، قررت لجنة السياسة النقدية رفع أسعار العائد الأساسية بمقدار 300 نقطة أساس لاحتواء الضغوط التضخمية وتحقيق معدلات التضخم المستهدفة. وتؤكد لجنة السياسة النقدية أن المسار المستقبلي لمعدلات التضخم يعتمد على الزيادات التراكمية لأسعار العائد إلى تاريخه والتي تستغرق وقتاً للتأثير على معدلات التضخم.
وتتابع لجنة السياسة النقدية عن كثب التطورات الاقتصادية العالمية والمحلية وستستمر في استخدام كافة أدواتها النقدية من أجل السيطرة على توقعات التضخم واحتواء الضغوط التضخمية من جانب الطلب والآثار الثانوية لصدمات العرض التي قد تؤدي إلى انحراف التضخم عن المعدلات المستهدفة له.
وأكدت لجنة السياسة النقدية على أن مسار أسعار العائد الأساسية يعتمد على معدلات التضخم المتوقعة وليس معدلات التضخم السائدة، وستستمر اللجنة في السعي نحو تحقيق هدف استقرار الأسعار.
وللتخفيف من حدة ارتفاع الأسعار وحجز البضائع في المواني المصري قام البنك المركزي بدور فعّال في الإفراج عن بضائع موجودة بالموانئ تبلغ قيمتها نحو 5 مليارات دولار منذ مطلع الشهر الجاري، لتلبية احتياجات السوق.
ومع زيادة الأزمة الاقتصادية بعث البنك المركزي مجددا برسالة طمئنة لعملاء البنوك
أكد فيها أنه لا مساس بسرية حسابات عملاء البنوك في مصر، والتي وضع قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي ضمانات مشددة لحمايتها، حيث كفل حماية سرية بيانات عملاء القطاع المصرفي وحساباتهم وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم في البنوك، وكذلك سرية المعاملات المتعلقة بها، كما نص القانون على أنه لا يجوز الاطلاع عليها أو إعطاء بيانات عنها لأي جهة بطريق مباشر أو غير مباشر إلا بإذن كتابي من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة أو الخزينة، أو من أحد ورثته، أو من أحد الموصِي لهم بكل هذه الأموال أو بعضها، أو من نائبه القانوني أو وكيله، أو بناء على حكم قضائي أو حكم تحكيم.
وشدد البنك المركزي على أنه يراقب تطورات الأوضاع الخاصة بسوق النقد الأجنبي عن كثب، وأنه يتخذ كافة التدابير اللازمة؛ لمجابهة أي ممارسات ضارة بالاقتصاد القومي، وكذلك اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضبط السوق، وتحقيق استقرار الأوضاع النقدية في المستقبل القريب.
وأكد البنك المركزي على قوة وصلابة القطاع المصرفي، وقدرته على تحمل كافة الصدمات، بما يكفل الحفاظ على ودائع عملاء البنوك بالعملات المختلفة.
وتخفيفا من حدة القرارات والإجراءات الأخيرة للبنك المركزي بخصوص تداول العملة الأجنبية وتوفيرها أصدر «المركزي» تعليمات للبنوك تتضمن استثناء فئات من القرارات الأخيرة المتعلقة بتوفير العملة الأجنبية للعملاء خارج البلاد.
وجه «المركزي» البنوك بتدبير النقد الأجنبي وفتح حدود البطاقات الائتمانية وبطاقات الخصم المباشر للاحتياجات بالعملة الأجنبية لأغراض التعليم والعلاج بدون حدود قصوى، وذلك عند طلب العميل لتلك الاستخدامات، وتقديم المستندات المؤيدة لذلك.
وقام البنك المركزي بإخطار البنوك بفتح حدود البطاقات الائتمانية وبطاقات الخصم المباشر للعملاء الذين سافروا قبل تاريخ القرار 22 ديسمبر 2022 حتى يستطيع العميل الحصول على احتياجاته الضرورية من العملة الأجنبية، وذلك عند طلب العميل.
وأضاف أن البنك المركزي أكد على عدم وجود أية حدود للاستخدام للعملاء الذين لديهم حسابات بالعملة الأجنبية أو بطاقات ائتمانية يتم سداد استخداماتها من حساباتهم بالعملة الأجنبية.
ما قام به البنك المركزي من إجراءات وتدابير لحماية الاقتصاد الوطني لم يكن هو الوحيد الذي اتخذ مثل هذه القرار الحمائية بل قامت البنوك المركزية العالمية بمثل هذه الإجراءات
حيث قامت عدة بنوك مركزية برفع سعر الفائدة منذ أيام قليلة بعدما سجلت معدلات التضخم لشهر أكتوبر في غالبية الاقتصادات الكبرى مستوى مرتفع غير مسبوق.
قمن جانبه قام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة بواقع 75 نقطة أساس في 2 نوفمبر، وذلك للمرة الرابعة على التوالي، ليصل بذلك سعر الفائدة إلى 3.75% – 4%، ومع ذلك ذكر البنك أن معركته ضد التضخم ستتطلب رفع تكلفة الاقتراض بصورة أكبر. وبالمثل، رفع بنك إنجلترا سعر الفائدة بواقع 75 نقطة أساس لتصل إلى 3%، مسجلاً أعلى وتيرة رفع للفائدة منذ 33 عامًا كما توقعت الأسواق، وحذر بنك انجلترا من أن اتباع المسار المتوقع من السوق قد يؤدي إلى حدوث ركود.
كما شهد شهر ديسمبر أيضا قيام العديد من البنوك المركزية بالأسواق الناشئة برفع أسعار الفائدة وسط ارتفاع معدلات التضخم، وعلى خلفية اتجاه الاحتياطي الفيدرالي نحو تشديد السياسة النقدية.
وعلى الرغم من ذلك، كانت البيانات الاقتصادية، وفي مقدمتها تقارير معدلات التضخم الأمريكية لشهر أكتوبر، نقطة تحول ، حيث أصبحت الأسواق أكثر تفاؤلًا حيال تباطؤ وتيرة رفع أسعار الفائدة في المستقبل القريب.