بقلم – الدكتور عادل عامر
ترجع نشأة سور مجرى العيون، التي تعتبر إحدى مناطق دباغة الجلود، إلى السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، الذي تولى الحكم من سنة 1169 إلى سنة 1193، وكان الهدف من بناء السور إمداد القلعة بالمياه مباشرة من نهر النيل كي لا يعاني الجنود الموجودون بها العطش، وكانت المنطقة في بادئ الأمر بعيدة عن الحيز السكني ما سمح للورش والمدابغ بالانتشار من حولها، ومع التوسع العمراني باتت تلك المدابغ في قلب الكتلة السكنية بالقاهرة. تضم منطقة المدابغ في منطقة مصر القديمة نحو خمسة آلاف عامل يتوزعون على 540 ورشة ومصنعا صغيرا، يعملون يوميا على استلام جلود الحيوانات بمجرد ذبحها وسلخها عن اللحم وتحويلها إلى منتجات من الجلد الطبيعي بين حقائب ومعاطف وأحذية وحافظة نقود وأحزمة.
وهناك منتجات تتم صناعتها خصيصا وفقا لرغبات الزبائن حيث يحرص بعضهم على أن تحمل بعض المنتجات الجلدية رموزا تراثية وتاريخية من مراحل الحضارة الفرعونية والإسلامية والرومانية في مصر، ويتفنن الصناع بنقشها على الجلود لتحاكي ذلك الإرث التاريخي. إن قطاع الصناعات الجلدية ودباغتها من القطاعات العريقة والمهمة في مصر، وتتمتع هذه الصناعة بمقدرة تنافسية ومستقبل واعد والطلب على منتجاتها في تزايد ولكنها تحتاج إلى نقلة نوعية حيث إنها تعاني مشاكل هيكلية. وقد تم رصد 10 ملايين جنيه لإنشاء مركز التكنولوجيا داخل المدينة الصناعية للجلود.
كما سيتم لأول مرة في مصر إقامة مركز اختبارات لمنتجات الجلود وسوف يكون بمثابة صمام أمان ضد المنتجات الرديئة التي تأتي من الخارج فضلا عن اختبار جودة المنتجات المصرية. مع مرور الوقت في فوضى الاستيراد تختفي صناعات ومهن عديدة كونها غير مدعومة حكوميا ويؤثر عليها الاستيراد العشوائي للبضائع والمواد بل إن قطاعات كانت مشهود لها بالجودة مثل صناعة الجلود كانت قد اختفت نهائيا بسبب تدني أسعار المستورد إلى أسعار لايتصورها المواطن من قبل فسعر الحذاء المستورد مرتفع جدا حيث اعتمد التاجر سياسة إغراق السوق بأنواع الأحذية حتى لايتسنى للمصنع المصري أية فرصة للمنافسة لهذا أغلقت كل مصانع الجلود أبوابها وتسرح إجباريا ألاف العمال الذين كانوا يعتمدون على هذه الصناعة في رزقهم اليومي وعموما لايتجاوز سعر الحذاء الحالي ومن ارقي المناشيء العالمية ألاف جنية لكن السوق المحلية فيها الحذاء الصيني الذي ينافس الجميع بسعره الرخيص أعلن يجب إلغاء الرسوم الخاصة على الجلود المصدرة
حيث أنها تمثل عبئا على المنتجين بنظام المناطق الحرة وهو مايؤثر سلبا على مناخ الاستثمار ويمثل عائقا أمام انسياب الاستثمارات الأجنبية للعمل تحت هذا النظام. أن الاستيراد هو السبب الرئيسي لانهيار صناعة الأحذية والمنتجات الجلدية المصرية، وليس سعر الجلد الخام، خاصة أن الجلد الخام لم يكن في أي فترة المشكلة الرئيسية في صناعة الأحذية، لأنها كانت تقوم علي العمالة الفنية الماهرة والتي كانت توجد بوفرة وتساعد المصنعين علي إنتاج كميات كبيرة من الأحذية، وبالتالي تقليل تكلفة المنتج النهائي، بالإضافة إلي الاستهلاك المحلي لهذه المنتجات، بينما الوضع الآن مختلف فالباعة الجائلون هم السبب الرئيسي لتدهور صناعة الأحذية والمنتجات الجلدية في مصر، لأنهم يشجعون الاستيراد من الصين، كما أنهم قنبلة موقوتة لمختلف الصناعات الأخرى وليس المنتجات الجلدية فقط، كما أن المشكلة لو كانت في سعر الجلد الخام، ما كنا صدرناه للصين، التي تصدره كمنتج نهائي لدول العام المختلفة.
إن صناعة الأحذية والمنتجات الجلدية فقدت السوق المحلي وإن كان حجم مبيعاتها فيه يصل لنحو 7 مليارات جنيه سنويا، بينما وصلت حصة الأحذية المنتجات الجلدية المحلية لا تزيد عن 30% من حجم مبيعات السوق المحلية، بعد أن كان يبلغ 100% منها في الماضي، بخلاف التصدير للدول العربية وروسيا. ولذلك يجب أن ننتبه للسوق المحلية وأن نغطي حاجتها من الأحذية والمنتجات الجلدية بقدر الإمكان، وتوفير الجلد الخام لها بسعر مناسب من خلال إنشاء بورصة للجلد تتمثل في افتتاح محلات لبيع الجلد الخام.
. مع وضع أسعار استرشادية للجلد الخام وكذلك للأحذية والمنتجات الجلدية المستوردة، وإنشاء معارض جملة لبيع المصنوعات الجلدية. أن بنية الصناعة المصرية، ما تزال ناقصة وان النمو الصناعي ما يزال شديد التبعية للخارج، فالنمو الصناعي لا يلعب دورا محركا بالنسبة لتطور بقية قطاعات الاقتصاد، إذ أن مساهمة الصناعة في حل مشكلات العمالة هي مساهمة محدودة، كما أن منافع النمو الصناعي لم تصل إلا إلى فئات اجتماعية ضيقة، بينما ظل القسم الأعظم من سكان الريف بعيدا على هذا السياق ويدلل ريفييه على نواقص الصناعي المصرية بعدد من المؤشرات من أهمها:
1 ـ ضعف معدل التمويل الذاتي لإحداث التراكم الصناعي فبالرغم من أن معدل التراكم في الصناعة كان دائما خلال فترة الدراسة على من متوسط معدل التراكم في الاقتصاد، في أن هذا المعدل لا يكشف عن قيمة التمويل الذاتي، إذ أن مصدر الموارد إنما يأتي عن طريق الفائض المجني من المؤسسات العامة، أو الفائض المسحوب على القطاع الزراعي، ويشكل أساسي فإن التراكم يأتي عن طريق الفوائض المحولة من القطاع الزراعي، وهو ما أسهم من ناحية أخرى في أضعاف هذا القطاع الأخير.
2 ـ انخفاض نسبة العمال المنتجين في الصناعة من 88.2% عام 62 إلى 84.3% عام 71/ 1972، وانخفاض كثافة رأس المال بعد 1962.
والحقيقة أن هذا الانتقاد الذي يوجه ريفييه إنما هو في 2صالح الصناعة المصرية، وليس ضدها، بصرف النظر عن الاعتبارات الاقتصادية التي تدين سياسة التوظف الكامل، إلا أن انخفاض كثافة رأس المال بعد 1962، إنما تعنى زيادة الاعتماد على العمل ويلاحظ أن معدل الاستثمار في الصناعة قد ارتفع بشكل بارز خلال الفترة (60/ 61 ـ 64) وأن الصناعة حققت خلال تلك الفترة أكثر معدلات النمو ارتفاعا طوال تاريخها (حوالي 10%) ، ومشكلة تضخيم العمالة الإدارية في القطاع الصناعي هي إحدى مشكلات الإدارة الصناعية بشكل عام بل إحدى مشكلات الإطار المؤسسي الاجتماعي بأكمله طالما أن قطاع الخدمات والتوزيع يمتص أكثر من نصف العمالة الجديدة في المتوسط سنويا.
3 ـ الاستخدام الجزئي لطاقات الإنتاج، وهو المرض المزمن للصناعة المصرية، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص ويفسر ريفييه ظاهرة الاستخدام الجزئي بضغوط التجارة الخارجية، والتي تقدم وجهة نظره السبب الرئيسي لهذا الاستخدام الجزئي، وهو يشير على سبيل المثال إلى القيود الموضوعية على الواردات من المدخلان الصناعية، كما يفسرها أيضا بصعوبات الإمداد الداخلي والطابع الموسمي لبعض المنتجات مثل السكر، ولا يشير هنا ريفييه إلى تأثير إغراق الأسواق بزيادة السلع الراكدة والمخزون لدى القطاع الصناعي.
وتتمثل أوجه الضعف البنيوي للصناعة المصرية أساسا في ضعف العلاقات بين الفروع الصناعية، أو اعتمادها جميعا على مجموعة من الفروع الصناعية، أو اعتمادها جميعا على مجموعة من العوامل الخارجية وكذلك طبيعة العلاقات بين الزراعة والصناعة من جوانب عديدة، ويشير ريفييه إلى أن النقص في التجهيزات الأساسية يعرقل فرص النمو للصناعة المصرية، في الوقت الذي تتضاءل فيه مساهمة الصناعة المصرية في إنتاج التجهيزات الأساسية.
إلا أن تحليل أوجه الضعف والتصور الهيكلي في الصناعة المصرية لا يمكن أن يتم بمعزل عن بقية قطاعات الاقتصاد المصري، وعن إستراتيجية التنمية أو إطار النمو الذي تعمل فيه هذه القطاعات، ولذلك فإنه على الغم من أهمية النظرة التحليلية للقطاع الصناعي على حدة، إلا أن النتائج هنا سوف تظل غير متكافئة لتفسير الخلل الهيكلي وبنيات التبعية الذي تعانى منه الصناعة المصرية، بوصفها أحد قطاعات الاقتصاد المصري، وهو ما ينقلنا بالضرورة إلى مناقشة السياسة الحكومية المتعلقة بالقطاع الصناعي.
طوال الفترة موضع الدارسة تأرجح دول الدولة في مصر بين النزعة إلى الإدارة المباشرة، والمركزة الاقتصادية والنزعة إلى الليبرالية وعدم التدخل.
وفى عهد عبدا لناصر فقد استمر يعمل الاقتصاد القائم على الملكية الفردية حتى نهاية الخمسينات، كما استمرت الدولة في تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وسعت إلى إشراك البرجوازية الصناعية الكبيرة في عملها هذا أما عن قيام النظام الاقتصادي الذي تديره الدولة فيرجع تاريخه إلى الستينات طبقا لرأى ريفييه، مع حدوث التخطيط العام وبخاصة التأمينات وإنشاء قطاع عام مهيمن.
والحقيقة أن ذلك لا يمكن رؤيته بمعزل عن تطورات قضية الاستقلال الوطني ومعاركها المختلفة ابتداء من تأميم القناة والمصير ثم إنشاء المؤسسة الاقتصادية، ذلك العمل الذي توجته التأمينات بعد ذلك، لكن الانتقال الكيفي في أسلوب الإدارة الاقتصادية كان بإقرار العمل وفقا لنظام التخطيط، والشروع في تنفيذ خطة التنمية الخمسية الأولى والأخيرة في مصر ويرجع فرانسوا ريفييه التدهور الذي حدث بعد ذلك إلى غياب إستراتيجية تصنيع مترابطة، وانعدام التنسيق وظهور تناقضات وتنافر نتيجة السياسيات الجزئية المتبعة من الدولة، اى غياب إستراتيجية إنمائية وتصنيعية واضحة ترسم الأولويات على مستوى اقتصاد القومي ككل، وضمنه القطاع الصناعي إن هذه المشكلة التي يثيرها ريفييه هنا تتعلق بالأساس بالبحث