صدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب واحد من أهم الإصدارات التي تؤرخ لنشاط المسرح في الكويت وتعرف برواده وأعلامه.. مساراته الأولى ومؤسساته وفرقه وعروضه، كتاب “المسرح في الكويت 1924 – 2000”.
الأهمية التي يتفرد بها هذا الاصدار – كما نراها – تتمثل في أربعة عناصر، أولها أنه كتاب جامع وحد بين “الجذر” ولملم كل شتات المعلومات والمعرفة عن المسرح في الكويت، واهتم بتفاصيل القصة.. بداية، وازدهار، وتواصل؛ ولم يغفل عن لفت الانتباه للمؤشرات الأولى والمرتكزات الثقافية التي مهدت وأفادت التفاعل مع وافد جديد (المسرح).
العنصر الثاني في أهمية الكتاب وتميزه أنه لم يكتفِ برصد عناوين العروض ومنتجيها، فنجده يضم تحليلاً فنياً عن عروض مسرحية بذاتها مقدماً – ضمن رؤية نقدية جميلة – مشهديات تضع القارئ في مقعد “المتفرج” وتعرفه ببنية ومحتوى الفصول التي سمع عنها سمع الأذن، مثلما هو الحال في التجربة المسرحية الأولى “محاورة إصلاحية” التي جاء الإحاطة بها في فصل الكتاب الأول “المرحلة الأولى للمسرح في الكويت: عشرينات وثلاثينات القرن الماضي”.. تحليل فني سوف نجده في أقسام أخرى عند الحديث عن صقر الرشود وسعد الفرج وعبد الرحمن الضويحي وعبدالعزيز السريع وإبراهيم العواد، وغيرهم.
في هذا الكتاب نلحظ، دون عناء التدقيق، المنهج الأكاديمي الذي التزم به الكاتب سواء في جانب الحرص على دقة المعلومة أو من ناحية التزامه بالأمانة العلمية حينما أشار إلى المصادر في هوامش ومراجع الكتاب وزينها بإضاءات حول ظروف جمع المعلومات أو الشخوص التي استفاد من وثائقها وغير ذلك، وقد لاحظنا أن الكاتب جمع الهوامش والمراجع في محتوى متكامل نهاية الكتاب.. نهج أكاديمي لمحناه أيضاً في فهرس “الأعلام”، ووجدناه في ممارسته لما يعرف بـ “التحقيق”، ولنقرأ ما كتبه في المقدمة: “ولن أنسى فضل الأستاذ علاء الجابر، فبعد معاناة خضتها في توثيق مسرح الطفل، وكنت متشككاً وحائراً في بعض المعلومات التي بين يدي جاءت هديته المتمثلة في كتبه الثلاثة عن مسرح الطفل، فوثقت ما وصلت إليه وقد أشاع في نفسي بعض الاطمئنان، وأذكر شاكراً الدكتور عادل العبد المغني الذي استفدت من مؤلفاته توثيقاً ومن مناقشاته تحفيزاً ومثابرة”. هذه الفقرة تبين الجهد البحثي المضني والمدهش الذي بذله الكاتب وحالة “قلق المبدعين” التي انتابته أحياناً، وما أنفقه من وقت في الاطلاع والبحث في كل ما كتب ونشر وهُمس به عن المسرح في الكويت، وحينما نجد أن الهوامش والمراجع تضم أكثر من 160 بنداً في كتاب لا تتجاوز صفحاته الـ 220، حينها ندرك حجم الجهد البحثي والتحقيقي المبذول.. ذلك “النهج الأكاديمي” نقرر أنه العنصر الثالث في تميز الكتاب.
أما العنصر الأخير، فيتمثل في الأسلوب الأدبي الرفيع في الكتاب، وفي أن الكاتب هو الدكتور سليمان الشطي، متعدد الطاقات والمواهب الإبداعية والذي تجتمع فيه خصال الأديب، والناقد الموثق، والأكاديمي، يغلف ثلاثية الشطي هذه جد ومثابرة والتزام صارم بالمنهج العلمي.
في الخصلة الأولى صنع إنتاجاً أدبياً مهماً، حينما كتب روايتان “صمت يتمدد” و”الورد لك .. الشوك” مع ثلاث مجموعات قصصية “الصوت الخافت”، “رجال من الرف العالي”، “أنا.. الآخر” بعضها ترجم إلى الإنكليزية والروسية والبلغارية، وفي خصلة الناقد نتابعه وهو يقدم 12 إصداراً، منها: “الرمز والرمزية في أدب نجيب محفوظ” الذي فاز بجائزة أفضل عمل ثقافي وكتاب عربي في معرض القاهرة للكتاب سنة 2003، وكتاب “مدخل: القصة القصيرة في الكويت”، و”طريق الحرافيش: رؤية في التفسير الحضاري”، و”المعلقات وعيون العصور”، كما أن له كتابين عن مصدر الإلهام لكل الفنون (الشعر) أولهما متشعب الدروب؛ يوجز تاريخ الشعر ويقدم ملامحه الأساسية للقارئ، والآخر يُعرف بتاريخ الشعر في الكويت طوال قرون ثلاثة.. أضف إلى هذين الكتابين رسالته الأكاديمية التي نال عليها درجة الدكتوراه في الشعر الجاهلي ودارت بالتحديد حول المعلقات السبع، والأخيرة أحد منتجات خصلته الأكاديمية التي تنبع من كونه أستاذاً في جامعة الكويت دَرس المسرح في مقرر جامعي وعاصر إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية وشارك عضواً في إدارته مدة ربع قرن وتولى عمادته لفترة وجيزة، أضف إلى ذلك معايشته ورفقته لنشاط المسرح وإنتاجه منذ الستينات تقريباً وعضويته في لجنة عليا لأبي الفنون.
ليس هذا كل شيء، فالشطي الحائز على جائزة الدولة التقديرية ذو حس جمالي، يتمتع بنبرة صوت فيها عمق وثقة ورزانة، سمات التأثير فيها واضحة تجعل منه – مع بلاغة التعبير – صاحب حضور بارز وحكيم يُسمع له، خاصة أنه يتمتع بقدرة متفردة على لملمة المتبعثر وتحويل المختلف إلى منسجم.. لذلك يمكن القول إن “المسرح في الكويت” كتاب يشبه صاحبه وقد بذل في صناعته جهد مدهش ومحترم، وإن كان من اقتراح حوله فإني اتمنى على صاحبه أن يضيف في طبعته التالية أسماء الممثلين في العروض المسرحية التي يتناولها الكتاب.
أمجد زكي