كتب – خالد عبد الحميد
شهدت مدينة فرانكفورت، العاصمة الاقتصادية لألمانيا، اليوم وغدا، افتتاح فعاليات القمة المصرفية العربية الدولية للعام 2022، التي ينظمها اتحاد المصارف العربية، برعاية وحضور وزير المالية الفيدرالي الألماني كريستيان ليندنر، تحت عنوان “الاستجابة للصدمات العالمية وإدارة حالة عدم اليقين”.
وشارك في القمة البنك المركزي الألماني وكبرى المصارف المراسلة الألمانية: Deutsche bank , Commerzbank , DZ Bank, Deka Bank، بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية – فرانكفورت، واتحاد البنوك الأوروبية ومعهد بنوك الادخار العالمية، والتي سيحضرها شخصيات من 100 دولة تمثّل قيادات المؤسّسات المصرفية والمالية العربية والأوروبية من محافظي المصارف المركزية ووزراء اقتصاد وتجارة ومال ورؤساء المنظمات والهيئات والاتحاد الاقتصادية والمالية العربية، يتقدّمهم السيد جيرهارد ويشيو، رئيس مؤسسة التمويل الدولية – فرانكفورت، رئيس اتحاد المصارف العربية محمد الإتربي، وأعضاء مجلس إدارة الاتحاد، رئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية، ورئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزف طربيه، عبر تقنية البث المباشر، الشيخ محمد جراح الصباح، جواشيم ويرميلينغ عضو مجلس إدارة دوتشيه بنك، السفير مصطفى أديب عميد السلك الدبلوماسي العربي في ألمانيا وسفير لبنان في ألمانيا، الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية في مصر، عدنان يوسف، رئيس جمعية المصارف في البحرين.
وجائت نص كلمة رئيس اتحاد المصارف العربية محمد الإتربي كالتالي:
الفئة المصرفية العربية الدولية لعام 2022
أصحاب المعالي والسعادة ،،،،
أيها الحضور الكريم،،،
أرحب بحضراتكم في القمة المصرفية العربية الدولية لعام 2022، ويشرفني بداية أن أتوجه باسمى وباسم مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية وأمانته العامة إلى معالي وزير المالية الفيدرالي الألماني السيد كريستيان ليندنر، بجزيل الشكر والتقدير على رعايته لفعاليات هذه القمة، وأشكر أيضا الأستاذ الدكتور/ خواكيم فورملينج عضو المجلس التنفيذي بالبنك المركزي الألماني (دويتش بونديسبانك)، والسيد جيرهارد فيزهوى- رئيس مؤسسة فرانکفورت ماين للتمويل، كما يشرفني الترحيب بالسيدة الدكتورة/ هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية بمصر، وأيضا بمعالي الدكتور مصطفى أديب عميد الدبلوماسيين العرب وسفير لبنان بألمانيا.
كما أود أن أرحب بمعالي المستشار أحمد سعيد خليل، رئيس مجلس الأمناء وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بمصر، ورئيس مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENAFATF السابق.
أودّ أن أتوجه بالشكر والتقدير لدولة ألمانيا على استضافتها لهذه القمة، ويسعدني أن أرحب صحاب المعالي والسعادة وكافة المشاركين في برنامج العمل القمة المصرفية العربية الدولية لعام 2022 من الدول العربية والأوروبية، وممثلي الهيئات المالية الإقليمية والدولية، زملائي أعضاء أسرة اتحاد المصارف العربية، والشكر والتقدير إلى المؤسسات المتعاونة والراعية، وللسادة الحضور، ولكل من ساهم في تحليل انعقاد هذه القمة.
السادة الحضور،،،
يواجه الاقتصاد العالمي اليوم، تحديات اقتصادية لم يشهدها منذ زمن بعيد، حيث مر النشاط الاقتصادي بموجة حادة قادت إلى إغلاق اقتصادي في مختلف الدول، وأصابت قطاعات متعددة بأزمات لا تزال آثارها كامنة على الاستقرار الاقتصادي والسياسي، ثم حلت الحرب الروسية- الأوكرانية لتزيد المشهد تعقيدًا بسبب انعكاساتها على سوق الطاقة، الشريان الحيوي للنمو الاقتصادي العالمي، حيث أدت هذه الأزمة والعقوبات الاقتصادية الناتجة عنها إلى تفاقم التباعد بين آفاق التعافي عبر بلدان الشرق الأوسط وأسيا الوسطى والدول الأوروبية، وعلى الرغم من الزخم الإيجابي الذي فاق المتوقع خلال العام الماضي، تشهد البيئة الاقتصادية عام 2022 اتجاهات معاكسة وحالة غير مسبوقة من عدم اليقين، ولا سيما في البلدان المستوردة للسلع الأولية، نتيجة ارتفاع الأسعار وزيادة تقلباتها، وتنامي الضغوط التضخمية، وعودة الاقتصادات المتقدمة إلى سياساتها النقدية التقشفية بأسرع من المتوقع، إضافة إلى الآثار الممتدة لجائحة كورونا، وعلى الرغم من تحسن آفاق البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنها بالتأكيد ستتأثر بالمخاطر الاقتصادية على أشكالها المختلفة.
وأمام هذا الواقع، تهيمن اليوم مخاطر التطورات السلبية على المستقبل، والتي تتضمن احتمالية استمرار الحرب لوقت أطول مع زيادة الضغط على الأوضاع المالية العالمية، وانفلات معدلات التضخم المستويات جديدة، وفي خلفية ذلك مخاطر تفشي متحورات جديدة لفيروس كورونا.
كل هذه الأمور تضع الحكومات والبنوك المركزية ومؤسسات المال والأعمال في مفترق بالغ التعقيد، نظرًا إلى محدودية الآليات والاختيارات المتاحة لصناع السياسات المالية والاقتصادية في التعامل مع هذه الصدمات الاستثنائية وخاصة مع ارتفاع مستويات الدين والاحتياجات التمويلية، مما سيزيد من حالة عدم اليقين وآثارها السلبية على معدلات النمو والتنمية.
ونظرا لتفاوت الآفاق المتوقَّعة، سيكون على الدول وضع سياساتها العالية والاقتصادية بمنتهى الدقة، وبما يتناسب مع ظروفها واحتياجاتها المستقبلية، لتحويل حالة عدم اليقين إلى مسار واضح يحافظ على استقرارها ومتطلعات شعبها وادارتها، وبدعم حماية الفئات المهمشة فيها لضمان أمنها الاجتماعي والاقتصادي متضن في ذلك أمن الغذاء والطاقة والتمويل على قائمة الأولويات.
ولضمان تحقق هذه الطموحات، يستوجب -سريعًا- تفعيل سبل للتعاون المشترك، يكون عابر للقارات، وليس فقط الحدود الدول، مبنى على إدراك كامل من صناع القرار، لافتًا أن الرخاء القومي يتحقق من خلال العمل الجماعي بين الدول والاتفاق على المصالح المشتركة بين مؤسساتها، ويأتي على قائمة تلك الأولويات، التعاون بين المؤسسات العالية والمصرفية على أشكالها المختلفة.
ويعتبر وجودنا هنا اليوم، في صميم هذا الانسجام، لنبحث سويا آفاقا اقتصادية جديدة، آملين أن تتحول مناقشاتنا على مدار اليومين القادمين إلى حلول عابرة للقارات تساهم فيها المؤسسات المالية والمصرفية في تأمين احتياجاتنا من سلاسل التوريد والسلع الأساسية، والطاقة، وتلبية الاحتياجات التمويلية، بهدف رسم الخروج الآمن من الأزمة الحالية بأقل خسائر ممکنه.
ولعل حجم التبادل التجاري بين الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي والذي يزيد عن 290 ملیار يورو، نواة جيدة لتحقيق مزيد من الشراكات بين الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي، وبما يحثّ على إقامة مشروعات اقتصادية وإنتاجية جديدة بين الكتلتين الإقليميتين، وفتح مجالات جديدة، مثل مشروعات التكنولوجيا والرقمية والخدمات والطاقة الخضراء والذكاء الاصطناعي والأمن الغذائي والرعاية الصحية والتعليم والطاقة، آملين أن يمتد ذلك التعاون ليشمل شراكات عربية أوروبية في كافة المجالات المالية كالتأمين والتمويل متناهي الصغر والتأجير التمويلي والتخصيم، وغيرها من مجالات هامة.
ويعزز ذلك التعاون وجود مؤسسة عريقة في التمويل، مثل مؤسسة فرانكفورت للتمويل، وما لديها من خبرات في مجال التمويل، ويسمح بمزيد من عمليات التمويل في مشروعات تنموية تحقق أهداف الاستدامة والحفاظ على المناخ وضمان التحول للطاقة النظيفة.
السادة الحضور،،،
أود أن أشير إلى عدد هائل من الفرص الواعدة التي تشكذل آفاقا رحبة المزيد من التعاون بين القطرين العربي والأوروبي، وتتبلور هذه الفرص في:
- السعي جديًا لتعزيز الأمن الغذائي على المستوى العربي والأوروبي، غير الاستثمار في مشروعات زراعية مشتركة، والاستفادة من وجود فوائض مالية ضخمة لدى الجانبين العربي والأوروبي، مع الاستعانة بالأساليب والتقنيات التكنولوجية الأوروبية بمجال الزراعة، لا سيما مع توافر أراضٍ شاسعة قابلة للزراعة على امتداد العالم العربي.
- تصميم برامج تمويلية جديدة متوسطة وطويلة الأجل تتضمن مسارًا واضحًا وموثوقًا لاستقرار الدين العام عند حدوده الآمنة؛ الأمر الذي يساعد في إتاحة الحيز اللازم لتقديم الدعم المطلوب الدول.
- التوسع في سبل وتمويل مجالات الطاقة المتجددة، بما في ذلك الهيدروجين الأخضر، وتتوسع مصادرها وسبل تسويتها، كبديل أساسي خلال المرحلة المقبلة في الدول المستوردة للطاقة، وأيضا المصدرة، لا سيما وأن الدول العربية تتمتع بالمقومات التي تؤهلها لأَن تصبح مركزاً لتصدير الهيدروجين الأخضر، وغيرها من أشكال الطاقة.
- في ظل أجواء عدم اليقين السائدة في الأسواق المالية الدولية، وفي ظل تخارج رؤوس الأموال والاستثمارات من الدول المتأثرة بالحرب، هناك مجال لاحتواء تلك التدفقات عن طريق مشروعات مشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية في مجالات اقتصادية مختلفة.
- كذلك يجب العمل على تشجيع الاستثمارات العربية البينية كوسيلة للتحوّط من مخاطر تركيز إيرادات النفط داخل الدول المصدرة للطاقة، وربطها بتحقيق عائد اقتصادي إقليمي طويل الأجل.
- ينبغي التعاون بين الدول المصدرة للعمالة؛ بهدف إيجاد آليات مالية ومصرفية تتناسب مع مواطنيها المغتربين بهدف زيادة التحويلات المالية.
- زيادة الاستثمار في كل أركان الاستدامة المختلفة؛ ومنها التمويل الاخضر وآليات تعزيز التمويل لمستقبل مستدام كجزء أساسي من استراتيجيات البنوك ومؤسساتها المالية، بما ينعكس إيجابيًا على أُطر العمل والإنتاج، والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة.
- إعادة صياغة للسياسات التمويلية بالبنوك وتطوير أدواتها ومنتجاتها لتصبح أكثر ملاءمة مع القطاعات الغذائية والزراعية والأنشطة المرتبطة بتحقيق الأمن الغذائي وأمن الطاقة في ظل ما يشهده العالم اليوم من تحديات ستأثر بشكل مباشر على مجتمعاتنا جميعا باختلاف حجمها أو قدراتها.
- تنشيط التحالفات المالية والمصرفية بين الدول العربية والأوروبية وتعظيم الصفقات الاستراتيجية، بهدف خلق كيانات مالية كبيرة قادرة على مواجهة التحديات والأزمات بشكل قوي والتعامل معها بمرونة.
- تكوين مجموعة إتصال عربي- أوروبي تتولى التنسيق المستمر لمتابعة وإجراء المشاورات والمباحثات اللازمة لتحويل أفكارنا المشتركة لمشروعات حقيقية على أرض الواقع.
- التكامل والتعاون بين البنوك العربية على إنجاز الإصلاحات الهيكلية، وإتمامها للوصول إلى مستوى دولي يؤهلها للتواجد بالأسواق العالمية، وفتح آفاق للتعاون مع البنوك الأوروبية بما يسمح بنقل الخبرات وفتح فروع للبنوك وزيادة عدد المراسلين بما ييسر حركة التجارة والاستثمار.
وأؤكد أن القطاعات المالية بالدول العربية قادرة وتستطيع أن تلعب دورًا حاسمًا في بناء اقتصادات مستقرة ومزدهرة في ظل الالتزام بتطبيق مبادي التنمية المستدامة من خلال توجيه الاستثمارات نحو الأنشطة الاقتصادية، التي توازن بين الأهداف الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، ونؤمن أن الحد من أثر التحديات الخاصة بالتغير المناخي وما يتطلبه ذلك من تطوير منتجات استثمارية وأدوات مالية جديدة صديقة للبيئة والمناخ، وتتسم بالاستدامة والمسئولية، من بينها السندات الخضراء وصكوك الاستثمار الخضراء وغيرها، قادرة أن تضع الأضرار البيئية في الاعتبار.
فمِن هذه المنصة، ندعو إلى تكثيف مجهودات التنسيق العربي- الأوروبي؛ بهدف الوصول إلى مستهدفات الاقتصاد الأخضر، وتحقيق البعد البيئي المستدام، مع الحفاظ على حقول الأجيال القادمة.
وفي النهاية، لا يسعني سوى التأكيد على الدور الذي يمكن أن يلعبه كل من اتحاد المصارف العربية مع مؤسسات التمويل الأوروبية، وعلى رأسها مؤسسة فرانكفورت التمويل، في وضع إستراتيجيات متكاملة التوسع في تحقيق تنمية مستدامة تضمن الاستقرار في توفير طاقة نظيفة، وتحقق الأمن الغذائي للشعوب الأكثر هشاشة، وتعمل على ضمان توفير السلع الأساسية للدول العربية والأوروبية في بيئة مليئة بالتحديات والمستجدات.
وأخيرًا، أؤكد عمق العلاقات التاريخية بين الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها جمهورية ألمانيا الاتحادية، مثمّنا الجهود المبذولة من كل من الجانبين الأوروبي والعربي؛ لتحقيق الرخاء لشعوبهما.
والله الموفق والمستعان،،