الوطن المصري _ ناريمان خالد
تسعى سلطنة عُمان وفق رؤية “عُمان 2040” الطموحة إلى إحداث تنويع اقتصادي شامل، يعزِّز من إيرادات البلاد، ويعمل تعظيم القيمة المضافة، ويسهم في انعتاق الاقتصاد الوطني من الاعتماد على النفط مصدرًا رئيسًا للدخل.
وفي خضمِّ هذا التوجُّه الطموح، تعمل البلاد على إيجاد شراكات مع القِطاع الخاص المحلِّي والعالمي؛ بهدف توطين صناعات استراتيجية واعدة، تكون قواطر للقطاعات الاقتصادية المهمَّة التي تُعوِّل عليها البلاد في سياستها التنويعية المستقبلية، قواطر توفر فرصًا مواتية للمؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة، وتفتح الباب أمام الأيدي العاملة الوطنية، وتكون نواة لقفزة عملاقة في هذا القِطاع أو ذاك.
فسلطنة عُمان تسيير بخطى راسخة، ساعية لزيادة نِسب توطين الصناعة والتكنولوجيا، وكذا تطوير التعاون البنَّاء مع القِطاع الخاص في ظلِّ أهميَّته كقاطرة للنُّمو من خلال زيادة الاستثمارات ونقل المعرفة والخبرات بما يخدم عملية التنمية الشاملة المستدامة، وما يصاحبها من تطوير في كافَّة أوْجُه البنية الأساسية، التي استُثمرت فيها العوائد النفطية على مدى العقود الماضية، وكوّنت شبكة من الموانئ والمطارات والطُّرق، تُعدُّ نواة مميَّزة لإقامة قِطاع لوجستي واعد جاذب للاستثمار، مُحقِّق أكبر استفادة من الموقع الاستراتيجي للبلاد.
وتتطلب هذه التوجُّهات شراكة حقيقية مع الدوَل والمؤسَّسات العالمية ذات الخبرة المختصَّة؛ بهدف توطين تلك الصناعات، والعمل على إقامة حلقات استثمارية تعظِّم الاستفادة منها، وتعزِّز القِيمة المُضافة المرجوَّة.
لذا تحرص الحكومة العُمانية بجميع أذرُعها الاستثمارية على إما المشاركة في توطين تلك الصناعات، أو توفير البيئة الاستثمارية المواتية المحفِّزة لجذب رؤوس الأموال المستثمرة، خصوصًا في المناطق الاقتصادية الحرَّة والمُدن الصناعية.
ومن هذا المنطلق جاء توقيع وزارة العمل ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات مؤخراً على برنامج تعاون مع شركة متخصصة في التطوير والاستثمار، لتأسيس أوَّل مشروع استثماري في سلطنة عُمان لتصميم وتصنيع أشباه الموصلات؛ بهدف تعزيز قِيَم البحث والتصميم والتطوير من خلال الشراكات المحلِّية في القِطاعَيْنِ الحكومي والخاص، كما يهدف إلى دعم نُمو وتنويع الاقتصاد العُماني من خلال دعم برامج تنمية رأس المال البشري المستدامة التي تقود إلى توطين الصناعات في القطاعات التكنولوجية.
ولا شك أن المشروع الجديد سيُسهم في توطين التقنية، وإيجاد فُرص عمل وأعمال تجارية للكوادر الوطنية المؤهلة والشركات التقنية الناشئة والقِطاع الخاص، كما أنَّه بحسب القائمين عليه سيُعزِّز الناتج المحلِّي الإجمالي.
كما أن هذه المشاريع الجديدة تعزِّز مكانة سلطنة عُمان على خريطة الصناعات العالمية، وتفتح آفاقًا استثمارية للعديد من الصناعات الأخرى؛ نظرًا لأن صناعة أشباه الفلزات تدخل في العديد من الصناعات الواعدة الأخرى، وتوفير منتج محلِّي، سيكون حافزًا مُلهِمًا للعديد من الشركات الكبرى التي تحتاج هذه المكوِّنات، وتملك خبرات تصنيعية في مجالها الخاص، وتسهم في رفد القِطاع الخاص بكوادر وطنية مؤهَّلة تُلبِّي احتياجات الاستثمار، حيث تدخل أشباه الموصلات في العديد من الصناعات؛ كونها تعمل على تشغيل كافَّة الأجهزة الإلكترونية الحديثة، وتدخل في كُلِّ الصناعات ذات التقنية الحديثة.
وبجانب هذا المشروع الواعد، وفي خطوة أخرى لتوطين الصناعات الاستراتيجية، أبرم ميناء صحار والمنطقة الحرَّة اتفاقية مع شركة صحار لدرفلة الحديد لتأجير أرض بمساحة تقارب 40,000 متر مربع لإنشاء مصنع لقضبان الصُّلب في المنطقة الحرَّة بصحار، حيث يُعدُّ المشروع إضافة قيِّمة إلى مُجمَّع المعادن بالمنطقة الحرَّة بصحار الذي يشهد ارتفاعًا مُطَّردًا في مساحات الأراضي المستأجرة، فضلًا عن كونه سيُسهم في إيجاد العديد من الفُرص التجارية في هذا القِطاع، حيث ستُعزِّز هذه الاتفاقية القِيمة المحلِّية المضافة للبلاد من خلال زيادة تنافسية المنطقة الحرَّة بصحار، وجذْب المزيد من المستثمرين في مشاريع الشقِّ السُّفلي في هذا القِطاع.