بقلم الخبير المصرفي _ ماجد فهمي
يعيش العالم حاليا أحداثا سياسية خطيرة تتمثل فى الحرب الروسية الاوكرانية وما استتبعها من فرض عقوبات اقتصادية شديدة على روسيا ، تلك العقوبات التى كان لها اثارا سلبية على اقتصاديات معظم الدول شملت ارتفاع معدلات التضخم ، نقص امداد الغذاء ، ارتفاع اسعار الطاقة ……. الى اخر تلك الآثار التى نعرفها ونعيشها ونعاني منها جميعا ولا جدوى بالطبع من سردها او الخوض فى تفاصيلها .
هذه الأحداث المؤسفة ونتائجها السيئة جاءت لتضيف الى معاناة العالم من الاثار السلبية لجائحة كورونا التى مازلنا جميعا نعانى منها ومما ادت اليه من ازمات اقتصادية .
فى مصر ، كان التأثير حاد وسريع على قطاع السياحة حيث تمثل الأسواق الروسية والأوكرانية نسبة ليست بالقليلة من السياحة الواردة فانخفضت بحدة نسب الإشغال فى فنادق سيناء والبحر الأحمر وانخفضت مرة اخرى ايرادات السياحة التى كانت قد بدأت تتعافى من اثار الجائحة .
المشاكل الأخرى تتمثل فى ارتفاع الأسعار الناتج عن استيراد التضخم العالمى وارتفاع اسعار الطاقة ، صعوبة الحصول على الكميات اللازمة من القمح وارتفاع سعره ، التأثير السلبى المتوقع على ايرادات قناة السويس نتيجة تباطوء حركة التجارة الدولية ….. وغيرها من العوامل التى القت بظلالها واثارها على اقتصاد الدولة ومعدلات النمو .
من اهم القرارات التى تم اتخاذها خلال الشهر الماضى وكان لها صدى قوى وردود افعال متباينة – تخفيض قيمة الجنيه المصرى امام الدولار ، ورفع اسعار الفائدة ، وطرح الشهادة السنوية ذات العائد المميز (١٨./.) .
الحدث الجلل هنا هو التخفيض الثانى لقيمة الجنيه الذى اثار كثيرا من الجدل فى الأوساط الاقتصادية وجاءت آراء عدد من الاقتصاديين البارزين لتؤكد ان هذا التخفيض كان متوقعا وليس له علاقة مباشرة بالحرب الروسية الأوكرانية .
السبب بوضوح هو خروج مبالغ ضخمة من الاستثمارات غير المباشرة والتى يطلق عليها الأموال الساخنة التى كنا نعتمد عليها لتحقيق الاستقرار فى سعر الصرف ، وفى سبيل ذلك كنا ندفع اعلى سعر فائدة لاجتذابها للاستثمار فى ادوات الدين المحلى وما ترتب على ذلك من تكلفة مرتفعة لخدمة الدين والاثار السلبية لذلك على الموازنة العامة للدولة . هذه الاموال كان متوقعا خروجها او اجزاء منها عند تحريك اسعار الفائدة على الدولار وبعض العملات الأخرى ، او ربما لأى اسباب اخرى – وهو ما حدث بالفعل مؤخرا
فى الواقع أجمعت الآراء ان استقرار سعر الصرف بتحقيق التوازن بين العرض والطلب كان يجب ان يتحقق من خلال زيادة ايرادات الدولة من العملات الاجنبية بالتركيز على اجتذاب الاستثمارات المباشرة فى المشروعات الانتاجية وبالتالى زيادة الانتاج وزيادة الصادرات وخفض الواردات ، وليس بالاعتماد على أموال ترانزيت عابرة تاتى فقط للاستفادة من اسعار الفائدة المرتفعة ثم تهاجر الى بلادها او بلاد اخرى عند اى تغير فى الظروف .
من ناحية أخرى يرى عدد من الاقتصاديين ان سعر العائد المرتفع البالغ ١٨٪ الذى طرحه البنك المركزى من خلال البنك الاهلى وبنك مصر والذى اجتذب حتى الان مليارات الجنيهات هو أحد عوائق الاستثمار لارتفاع هذا العائد المعفى من الضرائب اذا ما قورن بمعدلات ارباح الانشطة الاستثمارية المباشرة . هذا بالاضافة الى التكلفة المرتفعة لهذا الوعاء على ميزانية الدولة .
هذه وجهة نظر تقدم تحليلا لما حدث ، وفى نفس الوقت تحذيرا من الاستمرار فى نفس السياسة وارتكاب نفس الأخطاء .
على الجانب الآخر انا على يقين ان لدى المسئولين عن الملف الاقتصادى وجهة نظر مقابلة وتحليل اخر انا لا ادعى اننى على علم به .
ما اقترحه هنا هو ان يتم تشكيل لجنة من مجموعة من الاقتصاديين المستقلين – يتم اختيارهم بعناية شديدة – ويكونوا جميعا على درجة مرتفعة من العلم والخبرة والمصداقية ، لتقوم بالمهام التالية ورفع تقاريرها مباشرة الى القيادة السياسية :
⁃ تحليل وتقييم السياسات الاقتصادية والنقدية التى تم اتخاذها منذ بداية برنامج الإصلاح الاقتصادى فى عام ٢٠١٦ ومراجعة سياسات أسعار الفائدة وسعر الصرف واثار ذلك كله على الموازنة العامة للدولة ومعدلات النمو ، وكذلك تقييم تجربة الاعتماد على الاستثمارات غير المباشرة بكافة ايجابياتها وسلبياتها .
⁃ وضع استراتيجية متكاملة للتعامل مع الأزمات الاقتصادية الراهنة وزيادة ايرادات الدولة للوصول الى التوازن المطلوب بين العرض والطلب وبالتالى استقرار حقيقى فى سعر الصرف .
⁃ تقييم التجربة المصرية فى الاقتراض داخليا وخارجيا وابداء الراى والتوصيات فى حجم تلك الديون وعلاقتها بالناتج القومي الاجمالى واتجاهات اسعار الفائدة عالميا ومحليا ، مع وضع خارطة طريق وسياسة واضحة للتعامل مع هذا الملف .