الجمعة, 22 نوفمبر, 2024 , 6:13 ص
الباحث السياسى دكتور حسن صابر

من ذكريات حرب أكتوبر المجيدة

بقلم – دكتور حسن صابر

( المستشار السياسي لبوابة “الوطن المصري” )

 أقول لأبنائنا وبناتنا ممن لم يشهدوا نصر أكتوبر العظيم أننا كنا من الجيل المحظوظ الذي عاش اللحظة التاريخية في تمام الساعة الثانية ظهر يوم 6 أكتوبر سنة  1973 الموافق العاشر من رمضان عام 1393 هجري ، حين إنطلقت 222 طائرة مقاتلة مصرية يقودها الطيارون المصريون بقيادة الطيار محمد حسني مبارك من مواقعها على أرض مصر لتقصف قواعد العدو الإسرائيلي وتجمعاته في سيناء ، وتنقض كالنسور الشامخة على قواعده الجوية ومدرعاته الثقيلة ، وخلال عشرين دقيقة تفقده هذه الضربة توازنه وكبرياءه ، وقبل أن يفيق العدو من الصدمة التي حققتها المقاتلات المصرية ، 

بدأت المدفعية المصرية واحدة من أكبر العمليات العسكرية بدك مواقع العدو وقواعد صواريخه ، فأحالت أرض سيناء إلى جحيم يبتلع الذين إحتلوها منذ 5 يونيو 1967 ، وتحت هذا الستار الناري إنطلق 2500 من الزوارق المطاطية ، تحمل 30 ألفاً من أبطال الجيش المصري العظيم ، ليعبروا إلى الضفة الشرقية لقناة السويس ، حيث أرض سيناء ، أرض أنبيائنا وأجدادنا وآبائنا ، وما أن تطأ أقدام الأبطال  أرض سيناء حتى يركعوا على الأرض ليقبلوا ترابها ويشكروا الله ، ثم يديرون وجوههم لعدوهم وينقضوا عليه لأنه إغتصب أرض مصر سنوات طويلة

كانت اسرائيل قد مدت مواسير لتصب نابالم فى مياه القنال لإشعالها بالنار فى حالة نزول قوات مصريه فى القناة ، لكن هذه المواسير كانت قد سدت فتحاتها بواسطة قوات خاصة مصرية أثناء الليل قبل بداية  الحرب ، ورُفِعَ علمُ  مصر على قمة خط بارليف ، بعدما قامت قوات خاصة بعمل فتحات فى ساتر خط بارليف ، ونصبت الكبارى التي عبرت عليها القوات البرية بالدبابات البرية و البرمائية و المدرعات و المشاة .

وقد تمت إزالة 3 مليون متر مكعب من رمال خط بارليف لعمل ثغرات في الساتر الترابي ، ولم تكن عملية سهلة ،  فهذا الخط كان عبارة عن تل رملى عالى مدعم بصخر و حديد ، يمتد على طول الجبهة . . وكان المصريون قد أجروا  تجارب عديدة لكي يصلوا  إلى طريقة سريعة تمكنهم من عمل فتحات به أمام  الكبارى حتى تعبر عليها الدبابات والمصفحات والسيارات والاسلحة الثقيلة  ، وتمت تجربة عدة محاولات كان منها استخدام الديناميت ، لكن مهندس مصرى قبطى برتبة مقدم فى الجيش اسمه باقى زكى ياقوت إستطاع أن يتوصل لفكرة عبقرية وهى ازالة الرمال وعمل فتحات فى الاماكن المطلوب عمل فتحات فيها ، بإستخدام مضخات قوية تسحب المياه من قناة السويس ، ولمدة 8 ساعات تصدى ضباط وجنود مصر الأبطال على ضفة القناة الشرقية للدبابات و المدرعات الاسرائيلية حتى تمت عملية إقامة 60 كوبرى عبرت عليها الاسلحة الثقيلة . . وفى نفس الوقت  نزلت قوات مصرية خاصة خلف الخطوط الاسرائيليه وداخل سيناء كي توقف تقدم القوات الاسرائيلية وتؤمن المضايق داخل سيناء .

وعند الساعة الرابعة بعد الظهر بدأت الطائرات الاسرائيلية تظهر فى سماء المعركه لضرب القوات المصرية التي عبرت القناة و تدمير الكبارى وغيرها ،  وكانت إسرائيل تعتقد أن هؤلاء العابرين لقناة السويس ، والمقاتلين الذين وصلوا إلى أرض سيناء ، سوف يكونون صيداً سهلاً للطائرات الإسرائيلية المتفوقة ، فبدأت تهاجم بكل طائراتها ، ولم تحسب أن الفريق محمد علي فهمي ورجاله من قوات الدفاع الجوي كانوا في إنتظارهم بحائط الصواريخ الرهيب الذي وفر الحماية للقوات المصرية العظيمة التي عبرت القناة والقوات التي وصلت بالفعل إلى سيناء ، وجن جنون إسرائيل وهى ترى المقاتل المصري البسيط يهدم الساتر الترابي العملاق الذي يحمي خط بارليف بواسطة خراطيم الماء ، وكانت قبلها إسرائيل تعلن أن القنبلة الذرية لا يمكن أن تدمر خط بارليف ولا الساتر الترابي العملاق ، ولكن فعلها المقاتل المصري الذي ترك حقله في الريف ، وترك آلته في المصنع ، ووضع المسلم يده في يد شقيقه المسيحي ، وخرجا معاً لمحاربة إسرائيل وطردها من أرضنا في سيناء ، وواصلت القوات المصرية تقدمها في سيناء .

إنتظرت القوات الاسرائيلية خروج القوات المصرية المتقدمة في سيناء من حماية حائط الصواريخ المصري ، حيث أن الأقمار الصناعية الأمريكية رصدت نوعية هذه الصواريخ المصرية وعرفت مداها في التغطية وهو لا يزيد عن ستة كيلومترات ، وما أن خرجت القوات المصرية من هذا المجال وتقدمت داخل سيناء لتخفيف الضغط على القوات السورية ، التي لم تتمكن من مقاومة جحافل الجيش الإسرائيلي في الجبهة الشمالية ، رغم الإنتصارات الرائعة التي حققتها القوات السورية ومعها القوات العراقية والأردنية في بداية المعركة ، ومع تقدم القوات المصرية لمسافة أعمق داخل سيناء في مرحلة تطوير الهجوم المصري على القوات الإسرائيلية تسبب ذلك في خروجها بعيداً عن منطقة حماية حائط الصواريخ  المصرية ، فإنتهزت القيادات الإسرائيلية هذه الفرصة وأرسلت طائراتها لضرب القوات المصرية التي توغلت في سيناء ،  كذلك إشتبكت المدرعات المصرية مع المدرعات الإسرائيلية في أكبر معركة مدرعات في تاريخ الحروب في العالم ، وإستبسل أبطالنا وسقط منهم الكثير ما بين ضربات المدفعية الإسرائيلية والطائرات الإسرائيلية ، لكن  نسور الجو المصريين بقيادة حسني مبارك

عادوا فوراً ليوفروا الحماية للقوات البرية المصرية بديلاً عن صواريخ الدفاع الجوي ، وقاتلوا الطائرات الإسرائيلية وأسقطوا منها الكثير ، وسقط منا ايضاً الكثير ، كما تدخلت القوات البحرية المصرية من السواحل ووجهت مدفعيتها تجاه المواقع الإسرائيلية ، وكانت  الشراسة التي يقاتل بها الأبطال المصريون ، ووقوف كل الدول العربية مع الجيشين العربيين السوري والمصري جعلت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل تستنجد بأمريكا ، فتدخلت أمريكا وهرول كيسنجر للقاء البطل العظيم محمد أنور السادات – بطل الحرب والسلام – في القاهرة ، وقال له لقد أحرزتم تقدماً واضحاً على القوات الإسرائيلية طوال الأيام الستة الماضية ، لكن أمريكا لن تسمح لكم بأكثر من هذا ، وإذا لم تتوقف القوات المصرية ، فإنها ستواجه أمريكا ، فأذعن الرئيس السادات ووافق على إيقاف ضرب النار والفصل بين القوات ، وكان حكيماً ، لم تستطع إنتصارات الجيش المصري في الأيام الستة الأولى  أن تسبب له الغرور ، فيجد نفسه يواجه قوى أكبر لا قبل لنا بها ، فآثر أن يحافظ على سلامة أبنائه الأبطال المقاتلين ، وعلى سلامة الجيش المصري العظيم .

اليوم علينا أن نتذكر كل أبطال هذا النصر  ، نصر أكتوبر ، الذي أعاد لمصر شرفها وكرامتها ورفع عنها عار هزيمة  يونيو 1967

تذكروا هذه الأسماء العظيمة التي حفرت إسمها في سجل الشرف والتاريخ المصري :

– محمد أنور السادات – أحمد إسماعيل علي  – سعد الدين الشاذلي – محمد عبد الغني الجمسي – محمد حسني مبارك  – محمد علي فهمي  – فؤاد ذكري – نوال السعيد – كمال حسن علي – محمد سعيد الماحي – محمد فؤاد نصار – جمال محمود علي – محمد عبد المنعم الوكيل

– نبيل شكري – محمود عبد الله – سعد الدين مأمون – تيسير العقاد – محمد عبد الحليم أبو غزالة – عبد المنعم محمد واصل – مصطفى شاهين – محمد نبيه السيد – منير شاش – عبد المنعم خليل – أبراهيم كامل محمد – عمر خالد حسن – حسن أبو سعدة  – محمد نجاتي فرحات – محمد عبد العزيز قابيل – محمد أبو الفتح محرم – أحمد بدوي سيد أحمد – عبد الرب النبي حافظ – فؤاد عزيز غالي – يوسف عفيفي – إبراهيم العرابي

هذه أسماء قليلة من قادة الجيش المصري العظيم الذي حقق إنتصار أكتوبر المجيد  ، والذين تتسع لهم قائمة الشرف في تاريخ مصر .

اترك رد

%d