إن القلم يقطر دماً وليس حبراً حينما يكتب عن الوضع المآساوي، الذي وصل إليه حال الدول العربية، إنه لشيء محزن لأبعد الحدود حينما نصل إلى هذه الدرجة من الشرذمة، ولهذه الفرقة، ولهذه الدرجة من تدمير النفس، إذ ثمّة بلاد تدمّر، وثمّة شعوب تقتل بعضها البعض، وكل ذلك الذي وصلنا اليه تمّ بأيدينا رغم معرفتنا بما يريده أعداؤنا منّا، ولم نتّخذ أي إجراء ضدّه غير الغباء السياسي، ولم نملك له غير الانحطاط الفكري، الذي وصل بنا إلى هذه المرحلة من التمزّق، ولا يسعنا دائما سوى أن نعلّق أخطائنا على أكتاف الآخرين، إنّ أعداءنا يعرفون ماذا يريدون ويعلمون كيف يخططون لذلك جيداً منذ مئات السنين، ونحن كنا ولا نزال مجرّد أدوات لتنفيذ هذه المخطّطات القذرة، لقد كتب العبقري الألماني (ألفريد كروب ) مؤسّس شركة كروب الصناعية الكبرى، على قبره، قبل أن يموت العبارة التاليه :
( الانسان ما هو إلا أداة لتنفيذ أقداره )، وحين أتامّل هذه العبارة الفلسفية، وأنظر إلى الوضع العربي أحسّ أنّنا فعلا كنا مجرّد أدوات لتنفيذ ما خططه الأخرون لنا وننفذه دون أن ندرك ما نفعله إلا بعد فوات الأوان.
نمتلك الأموال الطائلة والمصادر الطبيعيّة، التي تستطيع بها أيّة دولة أن تسيطر على العالم وليس العكس، كأن تترك العالم يسيطر عليها، وعندما أقارن البلد الذي أعيش فيه “المانيا ” بأية دولة عربية أخرى نجدها قوّة اقتصادية عظمى، لا تملك أية موارد طبيعية كالدول العرببة ، ولو نسينا كل الثروات القومية والتفتنا فقط لأهمّ ما تملكه الدول العربية، والذي لم يدركه العرب بعد، وهو القوّة البشرية المتمثلة في تنوع الأجيال ويغلب عليها جيل الشباب الحالي وجيل الغد المرهون بوفرة في عدد الأطفال الأمر الذي تفتقده، ليس ألمانيا وحدها بل القارة الأوربية ككل، والتي تلقّب بالقارة “العجوز “، ولكن للأسف بدل الحفاظ على القوّة البشرية الشبابية جاءت الحرب التي بسببها تمّ تدمير عقول الشباب والأطفال بالكامل إلا من رَحِمَ ربي.
والمعروف للأسف أنه في الدول العربية ولعديد من السنوات لم نحاول الاستفادة من مصدر قوتنا، وأعلم تماماً كيف أن الغرب يحسدنا، على النسبة العالية في سنّ الشباب، لأنهم قد يفتقدون هذه النعمة، ونحن ننعم بها ولكن للأسف لا نعرف كيف نستفيد من هذه الطاقه الجبّارة، ولم نعرف كيف ننمّيها، ولم نعرف كيف نستثمرها ونعدّها الإعداد الصحيح اللازم كي ننهض بمستوى دُوَلِنا لتصبح في مصاف الدول المتطوّرة، كما حدث في الدول التي لا تملك أيّة مصادر طبيعية، عدا الإنسان وكيفية إدارته وتعليمه فكرياً واجتماعياً واقتصاديا.
إنني أعيش في ألمانيا منذ أكثر من /35 عاما / ولم أر محطّة تلفاز عربية واحدة ناطقة بلغة هذه الشعوب، حتى تفهم هذه الشعوب من نحن، وقد تركنا الساحة للإعلام الغربي اليهودي، الذي ينهش في لحمنا ولاندري عنه شيء رغم اننا نملك الأموال الطائلة التي تصرف من أجل التدمير وتفتيت وتغيير الفكر العربي.
حينما كنت أدرس في أكاديمية التجارة الدولية في فرانكفورت سألت البرفوسور الذي كان يشرف على زمالتي ما هو سبب تقدم المانيا إلى هذه الدرجة خلاف الدول الأخرى فرد علي بإجابة بسيطة وهي التعليم والاستثمار في الإنسان فتعجبت وسألت نفسي أين نحن من ذلك ولم يقل لى امتلاك بترول ومصادر طبيعية كما نملك نحن وأضف إلى ذلك قانون صارم ومساواة بين الجميع ومعاملة الإنسان كإنسان وليس كحيوان ومكافاة الإبداع وليس تحطيمه كم يحدث عندنا.
حبانا الله بنعم لا حصر لها جغرافيا فريدة من نوعها ودين واحد ولغة واحده وتاريخ عريق واحد دمرناه بأنفسنا ولم نستفد من هذه الممتلكات التي حبانا الله بها كما يجب أن نعمل والنتيجة هي المأساة التي نعيشها في الوقت الحالي .
الحلول سهلة اذا توفرت الإرادة السياسية لوضع الحلول ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب والإستفاده من عقولنا المهاجرة التي اكتسبت خبرة لا يستهان بها لإدراة الأمور والمصادر واكتسبت ثقافات وفكر متقدم يمكن أن يستفاد منه في تنمية هذا المجتمع وطبعا الاستفاده من هذه الموارد الطبيعية الضخمة التي نمتلكها والاستفاده بالطبع من الوضع الجغرافي الفريد من نوعه كما ذكر الدكتور جمال حمدان في كتابه عبقرية المكان
تحاك المؤامرات على الدول العربية والإسلامية من قديم الزمن ومنذ أكثر من الفي عام ولكن لم نسأل أنفسنا لماذا ولم نفهم كيف نواجهه.
دول يحكمها حكام بلا ضمير وحكام لاتحرص على المصلحة العامة وشعوب مغلوب على أمرها لا تستطيع أن تدافع عن نفسها يتحدثون عن الشرعية ولا أدري ما هو مفهوم الشرعية عند هؤلاء الحكام ، فالشرعية التي أفهمها وكما عشتها وأعيشها في المانيا ليست أن تسيطر على الحكم إلى الأبد وتوظف الأخ والأخت والقريب لإدارة هذه الدول ولكن هنا الإنسان هو الذي يحكم والحاكم ما هو الا أداة لتنفيذ ما يريده الشعب وليس العكس كما يحدث في الدول العربية فمن وجهة نظري هذه هي الشرعية والشرعية هي إعطاء الإنسان حقه وبعد ذلك مطالبته بواجبه الذي يقوم به بتناسق تام مع تطبيق قانون صارم ومساواة للجميع.
هتلر وموسوليني حكام وعديدون وصلو أيضا بالشرعية ولكنها شرعية مزورة فكريا فأنت تستطيع أن تسيطر على الإنسان إما بالدين أو بالسيطرة عليه اقتصاديا وهذا ما فعله هتلر الذي خلق أكثر من ستة ملايين وظيفة خلال سنتين مما أبهر الشعب الألماني وجعلهم ينساقون وراءه إلى أن وصل إلى الهاوية ونحن للأسف نستخدم الدين لهذا الغرض للوصول الى أهداف سياسية مدمرة بدلا من استخدام الدين من أجل مصلحة الشعوب وليس تدميرها.
المساجد مليئة عندنا بالمصلين ولكن للأسف لا أحد يعمل بالدين لأن الإنسان للأسف لم تتم تربيته التربية السليمة التي تجعله يطبق ما يسمع ويتبع بتعاليم ديننا الحنيف فنحن نملك الذي حبانا الله إياه ولكن لا نطيعه ولا نطبقه وهم لا يملكون الدين بل يطبقونه فهل سأل حكامنا لماذا؟..
نحن نملك التاريخ ووضعنا أسس الحضارة ولكن هم من استفادوا منها وسخروها لمصالحهم ونحن ألقينا بها في التراب للأسف الشديد.
عندما درست علوم الكمبيوترفي المانيا اكتشفت أن الأفكار العلمية لعلم الكمبيوتر وضعها الفراعنة وأنه لولا الصفر الذي أضافه العبقري الرياضي إبن الهيثم إلى الأرقام من الواحد الى رقم تسعة لما تم وضع الأسس لعمل الكمبيوتر.
إن الألمان يطلقون على الأرقام أنها أرقام عربية وهي التي وضع أسسها الفراعنة ونحن نطلق عليها أرقام انكليزية.. يا للهول حتى تاريخنا ولغتنا لا نفهمهما وذلك نتيجة لتعليم سيء وثقافة ضحلة كنتيجة طبيعية لحالة التدمير الفكري الذي وصلنا اليه .
أعيش في المانيا هذه الفترة الطويلة ولا يوجد إلا مسلسل واحد في التليفزيون الألماني وفي كل مرة يتم عرض قضية منفصلة عن الأخرى لا ترتبط بالحلقة السابقة لماذا ؟ وشاشاتنا التلفزيونية مليئة بالمسلسلات لماذا ؟ فهل من مستمع أو من مجيب وهل من يعرف لماذا؟ .
أيوب أيوب
مستشار اقتصادي
فرانكفورت – المانيا