بقلمدكتور/ حسن صابر
إعتدت في مثل هذه الأيام من نهاية كل عام أن أراجع نفسي ، وأستدعي من الذاكرة أقوالي وكتاباتي ، وأبحث هل ساهمت بمقالاتي في تغيير السلبيات التي كتبت عنها ، أم أن الرياح قد حملت مقالاتي بعيداً إلى عتبات الفضاء دون أن تحقق أهدافها ، هل كانت النتائج التي تحققت من هذه المقالات تتناسب مع الجهد الذي بذلته في تجميع المواد العلمية والأدبية والإخبارية والفنية التي إستخدمتها في كتابة هذه المقالات ، هل تتناسب النتائج مع المعاناة التي تكبدتها في البحث عن العنوان المناسب والكلمة المناسبة ، ثم في تركيب الجمل ، ومراعاة التسلسل المنطقي للأفكار والأطروحات ، والتسلسل العملي للحقائق العلمية والأحداث الواقعية التي حدثت على أرض مصر ، وإختيار الصور المرافقة لموضوع المقال ، ثم بعد ذلك مراجعة كل هذه الأمور قبل النشر ، ورغم هذه الدقة إلا أنني كثيراً ما وجدت أخطاءاً بعد النشر فأضطر لتصحيحها ، وكنت أتباهى بمستواي المرتفع في اللغة العربية وقواعدها ، وأفخر بعدم حاجتي لمصححين حيث أعتقد أنه لا توجد أخطاء لغوية وإملائية في مقالاتي كما هو الحال في جميع الصحف والمجلات المصرية التي يتواجد فيها هؤلاء المصححون ليصححوا أخطاء الصحفيين وما أكثرها خاصة بين الصحفيين الذين تقل أعمارهم عن أربعين عاماً ، ومنهم من ترك الصحافة وتفرغ للعمل الإعلامي في القنوات الفضائية وتخصصوا كمذيعين في البرامج الحوارية ” Talk Show ” التي أخفت ضعفهم اللغوي
وأصبحت الموارد المالية التي تحققها الإعلانات في برامجهم هى التي تحدد قيمة الإعلامي بل وراتبه السنوي . . نعم كنت فخوراً بنفسي إلى أن تعرفت بالأستاذ الدكتور هادي حسن حمودي العراقي الأصل والمغترب في بريطانيا ، وتشرفت بأنه أصبح واحداً من قراء مقالاتي ، ومعلقاً عليها في بعض الأحيان ، وأنا أسعد كثيراً بأي قارئ ينضم إلى قُرَّائي ، ولكن الدكتور هادي حمودي ليس كأي قارئ ، بل هو أستاذ كبير في اللغة العربية ، وله مؤلفات كثيرة أعرف منها فقط أربعة وعشرين ، أهمها موسوعة معاني ألفاظ القرآن الكريم والتي تعد مرجعاً هاماً في أية مكتبة إسلامية . . كما أنه ينشر هذه الأيام في جريدة القدس العربي سلسلة ” شئ من اللغة ” يوضح فيها الأخطاء الشائعة في إستخدام ألفاظ وحروف اللغة العربية ، مما جعلني شخصياً أكتشف أن بعض إختياراتي اللغوية في مقالاتي كانت خاطئة ، رغم أنها أخطاء شائعة يرتكبها كل الكُتَّاب المعاصرين والسابقين على قاعدة ” خطأ مشهور خير من صواب مهجور ” ، وقد حاولت مازحاً أن أجادل الدكتور حمودي مستعيناً بهذه القاعدة رغم أني لا أوافق عليها وأعتبرها كارثة أو كما وصفها هو في عنوان أحد مقالاته ” الأصل الذي فقد ظله ، والظل الذي فقد أصله ” . . تصوروا عندما يكون قارئ من قرائي بهذا القدر والإقتدار في اللغة العربية ، وبهذه المكانة كواحد من أهم الأساتذة المعاصرين في فقه اللغة العربية . . بالطبع أنا أتشرف بصداقته وبمتابعته لمقالاتي ، لكنَّ العبءَ تضاعف وإستوجب الأمر أن أكون في غاية الدقة حتى لا أرتكب أخطاء يكتشفها دكتور هادي حسن حمودي .
وعندما أكتب في موضوع طبي أو علمي ، أعرف أنني يجب أن أتوخى الدقة والأمانة العلمية حيث أني أتشرف بأن يكون أحد قرائي هو الأستاذ الدكتور/ محمد إبراهيم بسيوني أستاذ علم الأحياء المجهري Microbiology
وعميد كلية الطب جامعة المنيا سابقاً ، كذلك عندما أكتب في موضوعات خاصة بإستصلاح وتعمير الأراضي والصرف الصحي ومياه النيل ، أعرف أن أحد قرائي هو خبير إستصلاح الأراضي المهندس الكبير / مصطفى كامل طه والذي قضى أربعين عاماً من حياته في هذا المجال ، وشرفني بمداخلاته وتعليقاته والتفاصيل التي قدمها لنا عن كثير من المشروعات العملاقة التي نجح بعضها وفشل بعضها الآخر ، وفي الحقيقة فأنا أسعدُ بتعليقات معظم القارئات والقراء على ما أكتب ، وأستفيد وأتعلم من بعض هذه التعليقات ، وأعتقد أن الكاتب في مواقع التواصل الإجتماعي يجب أن يدرك أن عدد قرائه يمكن أن يتجاوز مليون قارئ متفوقاً على الكاتب في الصحف الورقية التي ضعف الإهتمام بها ، وتقلصت القراءة في صفحاتها ، وهناك حقيقة هى أن الصحافة الإلكترونية تزدهر والكتابة على مواقع التواصل الإجتماعي تنتشر ، ومن لا يستطيع أن يدرك هذه الحقيقة فسوف يخسر كثيراً ويصبح شيئاً من الماضي